لا يمكن لأي مجتمع أو فئة أو دولة تحترم نفسها وترفع شعارات حرية الرأي والتعبير أن تكون صادقة، دون أن تكون قادرة على احترام الاختلاف وتفهم قيم وعادات ومقدسات الآخر، لأن الحرية بمفهومها العام ليست مطلقة، بل لها قواعد وضوابط يجب أن يتم التقييد بها واحترام حدودها.

واحترام خصوصية الآخر ومعتقداته ورموزه لا تقل أهمية من حرية التعبير ذاتها، لأننا جميعاً كبشر نحمل في دواخلنا قيماً وعادات وأدياناً مختلفة، وبالتالي فلا يمكننا العيش والتعايش وبناء المجتمعات الفضلى دون أن نتفهم المختلف ونحترمه.

أستحضر هذه القيم وأنا أتابع سيل الإدانات الرسمية والشعبية، وحتى أعمال الاحتجاج، بعد سماح السلطات السويدية لأحد المتطرفين بإحراق نسخة من المصحف الشريف أمام سفارة الجمهورية التركية في ستوكهولم، والذي مثل صدمة كبيرة واستفزازاً لمشاعر مئات الملايين من المسلمين حول العالم.

ودون شك؛ فإن مثل هذا الأعمال تساهم في تعزيز التطرف والكراهية بين مختلف الشعوب والأديان، كما أنها تعتبر انتهاكاً صارخاً للمبادئ والمواثيق الحقوقية الإنسانية والدولية، والتي يأتي على رأسها احترام خصوصيات الآخر الدينية والثقافية.

وبالتأكيد فإن مثل هذه الأعمال المتطرفة وغير المسؤولة قد تكون بوابة لخلق مناخات عدم استقرار، وتساهم في تفجر أعمال عنف انتقامية تطال الكثير من دول العالم، وهو ما شاهدناه سابقاً في أكثر من مناسبة، بعد قيام متطرفين يمينيين بالتطاول والإساءة للأديان والتطاول على الرموز والمقدسات.

جريمة حرق المصحف الشريف، ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة، ولكنها بالتأكيد تعكس بشكل واضح فكراً عنصرياً متطرفاً بدأ يغزو كثيراً من المجتمعات، ممثلاً في جرائم الإسلاموفوبيا ومعاداة الأجانب والمسلمين، ما يؤكد سرعة العمل على إدانته ووقفه بالطرق القانونية وتجريم كل الأفعال والدعوات المحرضة على التطرف والكراهية الدينية أو العنصرية.

التحضر والديمقراطية والحرية.. ليست في ممارسة العنصرية والتطرف ضد الآخر، وليست في الاستخفاف بالقيم والرموز والمقدسات، بل هي ثقافة تبنى على أسس راسخة من ثقافة السلام والتسامح والاحترام المتبادل والحوار والتعايش بين الأمم والأديان والحضارات.

وأخيراً؛ سيظل القرآن الكريم في مقامه العالي كتاباً هادياً للبشرية جمعاء، ولن تنال من قدسيته أحقاد متطرفين وصناع الكراهية والعنف، وبلاشك فإن مثل هذا الفعل لا يدل إلا عن جهل وحقد وكراهية وعنصرية مقيتة تعبر عن مدى السقوط المدوي للحريات المنافقة والشعارات البراقة التي لا تقم وزناً للحرية الحقيقية..

إضاءة

«كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي، القرآن كتاب الكتب». «المفكر الألماني يوهان غوته».