لعلكم تتفقون معي سادتي بأننا ككتاب أسهمنا وأسهبنا كثيراً في العقدين الماضيين في تناول القضايا السياسية المحلية والدولية، وغرقنا في أدق التفاصيل حول الملفات الساخنة في الوطن العربي كاستعراض وتحليل للأحداث وإفرازاتها بأسلوب التضخيم تارة والتأزيم مرة أخرى، دون تبصرة القارئ من طبقة الشباب وإرشادهم، وغفلنا عن المساهمة بوضع الحلول الجذرية لتلك الأزمات أولاً بأول والتقصي قبل ذلك في جذورها ومسبباتها، والتي تعاني منها الأوطان والمواطن على حد سواء، وتحاشي الكثير منا مصارحة الحكومات والقيادات والتي كان لها النصيب الأوفر بسبب سياساتهم الخاطئة المبنية على قصور في التفكير لعواقب الأمور وما يعقبها من قرارات أغلبها تأتي من التعنت والتكبر والعجرفة أو الركون لمستشارين غير أكفاء يتخللهم مدسوسون وعملاء، فأحجم الكثير منهم عن قول كلمة الحق إما تخوفاً من الملاحقة والتصفية عند غضب الزعماء، أو التطبيل والتملق لاسترضائهم وطمعا لسخائهم وقربهم، فداهن البعض على حساب الوطن حتى أطبقت علينا الرزايا والبلايا والمحن.

ولقد ابتعدنا كثيراً عن التحليل المنهجي والأسلوب العلمي في تناول تلك الأحداث، ولا يكاد يحظى المواطن من بين الكم الهائل من الكتابات والتحليلات على أي حلول ومخرجات من الممكن التعويل عليها لتخفيف الضغط الهائل الذي يعانيه ومن كل الاتجاهات فوق رؤوس الطبقة الكادحة.

فلم يعد هنالك مساحة للثقة بكل ما يكتب وما يقال لأن المواطن قد وصل إلى قناعة تامة مع أعلى درجات القنوط واليأس معاً باستحالة خروجه من المأزق الذي حشر فيه، وأن الجميع يتاجر بمعاناته دونما خجل ولا وجل، وأن ما يمارسه السياسي والبرلماني هو خداع مفضوح وهو كما يقال له "البرستيج" أو الظهور الإعلامي لا غير، دونما توافر النية الصادقة عند الغالبية بمعالجة أي ملف يمس المواطن ومعيشته وخاصة جيل الشباب، مما ترك كماً هائلاً من المشاكل التي لم يعد باستطاعة أي جهة رسمية أو جهد حكومي أو منظمات مجتمع مدني من استيعابها وحلحلتها، ومع كل دورة برلمانية وتشكيل حكومة تنفيذية ترحل تلك العقبات الكأداء المتفاقمة بأسلوب التسويف مما أوصل الكثير من الأوطان إلى حالة الغليان وبعضها للانفجار!!

ومع اتساع وسهولة نقل المعلومة في كل وسائل التواصل الاجتماعي اتسعت معها رقعة التيه التي يعيشها جيل الشباب في بلدانهم والذي أفرز بسببه تضاؤل إحساسهم بالانتماء الوطني، فلم يعد الوطن بل حتى القيم والدين من أولوياتهم بعد أن حوصروا في أمنهم ولقمة عيشهم وامتهان كرامتهم وضياع مستقبلهم!!

وللأسف وكنتيجة حتمية لكل تلك السياسات الطائشة والديكتاتوريات المتسلطة وما أفرزته من حروب طاحنة تفشى معها الإرهاب الفكري والعنف المجتمعي والأسري والتطرف الضارب في الكثير من بلادنا العربية وما رافقه من الفساد المستشري في أوساط الطبقة الحاكمة في أغلب البلدان التي تربعت بمشاركة وحماية المافيات العالمية التي وجدت ضالتها في دولنا الغنية بالثروات الطبيعية، والتي تعتبر أن واردات وخيرات الأوطان هي استحقاق وإرث شرعي لها حصلت عليه بالنضال الطويل فهي تستحل الاستحواذ عليه بمباركة علماء السلاطين ثم ترمي بالفتات كهبات على شعبها المسكين.. وللحديث بقية.