حتى وإن انتهى هذا الحدث الكروي الخليجي ومر بفرحة تتويج العراق بطلاً لكأس الخليج للمرة الرابعة في تاريخه إلا أننا لابد أن نسجل موقفاً للتاريخ يروي لمن سيقرأه ما حصل في العراق فترتها، نحن الذين لا نهتم كثيراً بمتابعة مباريات كرة القدم ولا نفقه في قوانينها والكثير من تفاصيلها لكننا نهتم بالتأكيد بأن هذا المحفل الكروي الذي يجمعنا والذي يعيد إحياء أحلامنا منذ الصغر بالوحدة الخليجية والوحدة العربية يقام على أرض «العراق» كما كنا نرى في كتبنا المدرسية أيامها الصادرة من الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية حينما كان علم العراق مع أعلام دولنا في غلاف كتبنا.

لم يكن يهمنا الحدث بقدر ما كان يهمنا ما بين سطور مواقف أهل العراق العربي العظيم، فلو تأمل البعض حراك العراقيين خلال كأس الخليج العربي والرسائل البليغة التي أرادوا إيصالها وحرصهم على ارتداء الشماغ العربي لوجدوا أنها بصريح العبارة تتمثل في تأكيد انتمائهم لأهل الخليج والعرب وأن لهم امتدادات وجذوراً عائلية لا يمكن أن تقطع وأن ما يجب قطعه من أرضهم فقط هو الوجود الإيراني البغيض وهذا ما خرجت به بعض هتافات الجماهير العراقية خلال إحدى المباريات بترديدهم «إيران برع برع» رغم رفضنا التام لخلط الرياضة بالسياسة لكن «ما ينلامون بصراحة» وعند استقراء هذه المواقف نتيقن أن شعب العراق العظيم وجد فرصة ثمينة ليعبر فيها عن تمسكه بهويته لا العربية فحسب إنما الخليجية وأنه يسير على نفس خط الشعوب الخليجية في رفضهم التام للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدولنا وأن عملاء إيران غير مرحب بهم في دولنا!

أراد العراقيون أن يوصلوا لنا رسائل بليغة المعنى وهي أنهم يكنون كل الولاء والمحبة العميقة للخليجيين والفرحة لم تكن تسعهم في ملاقاتهم على أرضهم في البصرة بعد انقطاع طويل فجذورنا واحدة وتاريخنا العربي واحد وكأنهم كانوا يودون تذكيرنا بماضٍ جميل حينما كان علم العراق يدرج ضمن أعلام دول مجلس التعاون الخليجي وأنه يعتبر فعلاً البلد الخليجي السابع فهو بلد له حضارته وأمجاده العربية الأصيلة وتاريخياً كان مقصداً لعلماء ومفكري وشعراء العرب وكان العراق يجسد جامعة عربية لكبار صانعي التاريخ العرب في العالم في عقد لم تظهر فيه الجامعات بعد في الدول.

في كأس الخليج كان هناك كما هو واضح فريقان فريق مهتز كثيراً من تنظيم بطولة الخليج العربي على أرض العراق وكان كل همه ودأبه أيامها إفشالها والتقليل من نجاح التنظيم لأنه كما الشيطان الوسواس لا يحب رؤية الأشقاء مجتمعين ويرى عودة العراق لحضنه الخليجي العربي يهد كل أوهامه الصفوية والفوضوية في المنطقة وفريق كان فرحاً جداً ويدعم الوجود العراقي في هذا المحفل الخليجي ولا ننسى هنا مقاطع الفيديو العديدة التي انتشرت للعراقيين وهم يرحبون بأهل الخليج ويرفضون أن يسكنوا الفنادق مطالبين أن يسكنوا بيوتهم ومن ضمنها مشهد الطفلة العراقية منال من تكريت التي قطعت طريقاً لمدة 14 ساعة فقط لكي ترى أهل الخليج وتعبر عن فرحها بملاقاة الخليجيين وأخيراً وبكت عندما خسر المنتخب العماني وفاز منتخب وطنها العراق ليس لأنها لا تشجع منتخب بلدها بل كان واضحاً أن تصرفها العفوي موقف يعكس الكرم والطباع العربية الأصيلة بإسعاد الضيف وإكرامه وإيثاره على النفس، ومن المقاطع المؤثرة أيضاً مقطع المرأة العراقية من البصرة التي ترحب بالخليجيين وتعلن رفضها أن يسكنوا الفنادق ومقطع الرجل العراقي الذي يبكي وهو يحتضن المذيع الإماراتي ويخبره بعفوية «40 سنة لم نرَ الخليجيين، وينكم؟ بعض المغرضين يحاولون إشاعة معلومات خاطئة أن العراقيين سيؤذونهم لو زاروا العراق في حين الحقيقة كما ترون العراقيين فرحين بكم!».

من الحقائق المؤكدة للتاريخ أن أهل الخليج العربي فرحوا أكثر من شعب العراق أنفسهم بفوز العراق وتحقيقه لقب البطولة وأن أفراح أهل العراق أفراحنا وكأننا فائزون جميعاً لأننا نرى العراق العربي معنا وأنه رقم صعب وحاضر بقوة في محافلنا الرياضية الخليجية.