تُظهر الخرائط الاستثمارية في دول العالم تغيّرات محورية في مراكز استقطاب رؤوس الأموال حيث بدأت الهجرة العكسية للاستثمارات إلى وسط وجنوب الكرة الأرضية، وذلك بعد أن كان الجميع يطمح لأن يجد له موطئ قدم في أوروبا، فها نحن اليوم نشهد أفول عصر الدول العظمى.

هذا الوضع الغريب والجديد على العالم الذي عاصر استقراراً في اتجاه حركة الأموال إلى دول الغرب لزمن طويل قد بدأ يتغيّر، حيث أظهر تقرير نشرته الصحف الأسبوع الماضي فرار المليونيرات من بريطانيا عقب التصويت على البريكست وخروج الدولة العظمى من الاتحاد الأوروبي.

فقد بيّن التقرير أن أكثر من ألف ثري غادروا بريطانيا خلال العام الماضي، وأكثر من 10 آلاف مليونير قد حزموا حقائبهم وخرجوا من بريطانيا منذ عام 2017 وحتى نهاية 2022، إلا أن هذه التقارير لم تبيّن الوجهة التي قصدها هؤلاء.

وفي الوقت ذاته أشارت التقارير إلى ارتفاع أعداد المستثمرين الذين وجدوا في منطقة الخليج العربي البيئة الأكثر استقراراً على مؤشرات أسواق المال العالمية التي تشهد مخاطر عالية، بسبب النزاع الروسي الأوكراني، وفي مقدمتها دول أوروبا، فما كان أحد يحلم في أسوأ كوابيسه أن تعاني ألمانيا وفرنسا من التضخم والركود، بينما تزدهر منطقة الخليج العربي يوماً بعد آخر.

هذه الهجرات المتنامية لرؤوس الأموال تمثل فرصاً تحتاج إلى الاقتناص خاصة وأن الإمارات اليوم باتت من الدول الأكثر جذباً لها في المنطقة، وتحاول السعودية أيضاً العمل على هذا المسار، وكذلك البحرين لديها سمعة وتاريخ مالي يستطيع أن يحقق مكاسب كبيرة في هذا السوق، ولكن الأمر يحتاج إلى خطة تسويقية للبحث عن الفرص الكثيرة المتاحة بسبب هذه التغيّرات العالمية.

لدينا في البحرين عقول مبدعة أنتجتها جودة التعليم الذي حرصت عليه حكومتنا الرشيدة منذ أكثر من قرن، وقد جاء اليوم لنحصد مكاسب ما زرعناه واستثمرناه في الشباب، وهنا تظهر بوضوح رؤية جلالة الملك المعظم في منح شباب البحرين فرصة قيادة سفينة الوطن.

قبل أيام رأينا صحراء مكة وجبالها تتحول لأرض خضراء ويجري فوق رمالها نهر لم يكن يتصوره أحد، لكن الأيام دول، وقد دارت الدائرة لترجح كفة منطقتنا في تعظيم عوائدها والنمو، في مقابل أفول نجم الغرب، ولا نريد لأحد -لا قدر الله- أن يخسر، إلا أنها سنن كونية تحدث، منذ قديم الأزل.