لاشك في أن منطقة الخليج والجزيرة العربية بحاجة أن يعمها الاستقرار والأمن وعلاقات حسن الجوار وذلك بحكم أنها منطقة ذات موقع جيوبولوتيكي وفيها مصالح كثير من دول العالم بما فيها أمريكا وأوروبا ودول شرق آسيا، وبحكم أنه يوجد فيها ثلثا احتياطي البترول العالمي ولذا لابد أن نقول وجب النظر إلى الاتفاق السعودي الإيراني بشمولية إذا ما أُريد منه أن يتحقق على أرض الواقع وذلك أن النظام الإيراني هو صاحب مشروع توسعي لا يستهدف السعودية فحسب إنما يستهدف المنطقة برمتها، والواقع يؤكد لنا ذلك حيث إن النظام الإيراني له سوابق وله نفوذ توسعي في اليمن سوريا ولبنان والعراق، لأنه صاحب مشروع لاهوتي بدأ منذ مجيء ما سمي بـ«الثورة الإيرانية عام 1979»، ومجيء الخميني للحكم، وفي خضم الحماس للتيار الشيعي الذي رافق الثورة تولدت عند رجال دين شيعة فكرة إقحام السياسة بمفهومها المعاصر بالدين، وأصبح النظام الإيراني يقوم على عقيدة «ولاية الفقيه». وبدون فهم هذه الفكرة اللاهوتية لا يمكن فهم أهداف السياسة الخارجية الإيرانية وما تقوم به إيران من تدخلات في شؤون الدول الأخرى. بالمقابل عرف عن السياسة السعودية الداخلية والخارجية التحلي بالحكمة وسعيها للسلام والأمن الإقليمي والدولي ومبنية على ثوابت راسخة منذ قيام الدولة السعودية وخاصة مع دول الجوار، لذلك لم تتردد السعودية لحظة واحدة في مد يدها البيضاء حتى مع النظام الإيراني من هذا المنطلق، حيث أوضح وزير الخارجية السعودي في تصريحات لقناة «العربية»، أن استئناف العلاقات مع إيران جاء بعد أن «وصلنا إلى تفاهمات مبنية على حسن الجوار، واحترام سيادة الدول، ومعالجة كل تحديات الأمن الإقليمي من خلال هذا الحوار»، مضيفاً: «وهي قناعة المملكة بأن الحوار هو الأسلوب الأنجع لمعالجة كل الأمور».

أما النظام في إيران ما كان يقبل أي اتفاق إلا بعد أن وجد نفسه في مأزق داخلي وإقليمي ودولي وضع نفسه فيه والأزمات التي يعاني منها هذا النظام الداخلية والخارجية، سواء على المستوى السياسي والعسكري والدبلوماسي والاقتصادي، بعدها أخذ يتحدث عن علاقات مع دول الجوار، فهو من ناحية لايزال يخضع لعقوبات شديدة، ووضعه الاقتصادي منهار، ويعاني من اضطرابات واسعة وصلت حد إفقاد الحكم في إيران ونظام ولاية الفقيه مشروعيته في نظر الشعب، ومتورط في قضايا وجرائم واغتيالات وبرنامج نووي متطور، وآخرها الهجمات الكيماوية على طلبة المدارس، وهي مجموعة عوامل تجعل النظام الإيراني في أضعف حالاته.

الشهران القادمان هما اللذان يحددان مدى مصداقية النظام الإيراني مما يترتب عليه مصير الاتفاق، ولننتظر.