قبل أسابيع كتبت عن رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة وتداعياته السلبية على الاقتصاد العالمي، وها قد بدأت كرة الثلج في التدحرج، ولا يعرف أحد متى وأين ستتوقف بعد أن تدهس في طريقها الأخضر واليابس.

فاليوم يعيش العالم كارثة إفلاس البنوك التي بدأت ببنك سيلكون فالي صاحب أكبر موازنة قبل الانهيار بحوالي 210 مليارات دولار، والمستقر في ولاية كاليفورنيا معقل الاقتصاد الأمريكي والحاضنة لأكبر شركات العالم مثل آبل وغوغل ومايكروسوفت وفيسبوك، والذي أفلس خلال زمن لم يتجاوز 36 ساعة ووصف بأنه أسرع انهيار في التاريخ.

ولكي نعرف علاقة رفع أسعار الفائدة بما يحدث، فإن بنك SVB كان قد استثمر 108 مليارات دولار في سندات البنك الفيدرالي الأمريكي طويلة الأجل بفائدة سنوية 2%، وعندما رفع الفيدرالي أسعار الفائدة إلى 4.75%، حدث فارق كبير بين استثماراته في السندات مع نسب الإقراض، وكانت السبب الرئيسي في انهيار قدرته على الوفاء بالتزاماته.

ولم يحتج الأمر لأكثر من 48 ساعة حتى تتأثر بنوك أخرى، حيث أفلس بنك Signature، وSilvergate المتخصص في العملات المشفّرة، وبدأت جائحة البنوك تصل إلى جميع أنحاء العالم، وخاصة أوروبا التي كانت أصلاً تعاني من تدهور جراء النزاع الروسي الأوكراني، فقد انخفضت مؤشرات الشركات الكبرى وامتد التأثير لبنوك سويسرا وعلى رأسهم «كريدي سويس» الذي هبطت قيمته بنحو 30% ويواجه احتمالات الإفلاس شبه الأكيدة.

ولا نستطيع أن نضع رؤوسنا في الرمال ونتجاهل التأثير الذي وصل لمنطقتنا وبورصاتها، حيث سجّلت أسواق المال الخليجية خسائر بلغت 163.6 مليار دولار وفقاً لحسابات «كامكو إنفست»، وهي النتيجة الطبيعية لما يحدث في العالم، فنحن لسنا بمعزل عنهم، وسيأتي التأثير على قطاعات متنوعة لكن ستتقدمها قطاعات التكنولوجيا.

وأعود لأكرر بأن الفيدرالي الأمريكي وقراراته غير المدروسة والمتسرعة في رفع أسعار الفائدة بزعم مواجهة التضخم، قد أثبتت فشلها ويحتاج الأمر إلى تكتل دولي يبحث عن حلول أخرى لمشكلة التضخم، بحيث تعود الفائدة لمعدلاتها الطبيعية، فلا يمكن أن تنفرد إدارة واحدة باتخاذ القرارات المصيرية للعالم، وتقف الدول صامتة حيال الأزمة.

لقد كان لقادة دول الخليج في الآونة الأخيرة قراراتهم المتفردة في المشهد السياسي الدولي، وهي قرارات تؤكد أن الأوضاع تتغير عما كانت عليه لعقود في القرن الماضي، ولذلك فإن الشأن الاقتصادي أيضاً يستدعي التفكير خارج صندوق أمريكا الذي يكاد ينفجر في وجه العالم أجمع.