سأنطلق من نقطتين هامتين في هذا الملف أي ملف العمل الاجتماعي الخيري.

النقطة الأولى هي ما جاء في كلمة صاحب الجلالة الملك حمد المعظم حفظه الله أثناء زيارته لمجلس الوزراء يوم الأحد الماضي، إذ" أشـــاد جـلالـتـه بــالــدور الـــذي تـضـطـلـع بـه الجمعيات الخيرية وعملها الإنساني النبيل، مؤكداً أهمية الالتزام بالقوانين والأنظمة التي تدعم عمل هـذه الجمعيات وتكفل حسن أدائـهـا وفـق الأسـس السليمة التي أنشئت من أجلها"

أي أن جلالته حفظه الله يشير إلى أن الأعمال الخيرية الأهلية البحرينية تكمل ما تقوم به الدولة، فتلك الإشادة جاءت جنباً إلى جنب مع الإشادة بالتوافق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على ميزانية الدولة.

والنقطة الثانية هي المنصة التي أنشأتها وزارة الداخلية للمساهمة في فعل الخير "فاعل خير" كنموذج.

لنؤكد أننا نحتاج للدولة أن تعمل على تسهيل فعل الخير وذلك بمساعدة الجمعيات وأصحاب التراخيص بشكل أكثر فعالية ومرونة، لأننا نحتاج إلى أكثر من منصة "لفاعل خير" تلك المبادرة التي أطلقتها وزارة الداخلية مشكورة والتي سهلت عملية سداد ديون المعسرين والمتعثرين حتى تمكنت إدارة تنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة من إنهاء معاملة 500 حالة ما كان لها أن تنتهي ويرفع عنهم البلاء لولا هذه التسهيلات.

الإدارة عملت على جرد من صدرت بحقهم أحكام تنفيذية بمبالغ عجزوا عن سدادها، أي أنها قامت بالاطلاع على الحالات نتيجة وجود قاعدة البيانات عندها، فحصت حالتهم الاجتماعية وفاضلت بينهم لمن هو أكثر استحقاقاً وفقاً لظروفه الاجتماعية والصحية والنفسية والعمرية وحتى الجنسية إن كان رجلاً أو امرأة، ثم وضعت القائمة ضمن برنامج تطبيقي على الهاتف متاح للجميع أن يطلع عليه عبر هاتفه مع الاحتفاظ بالخصوصية المطلوبة، وأتاحت عملية اختيار الحالة التي يرغب في مساعدتها المتبرع وسهلت دفع ما يستطيع أن يساهم به، فوصل عدد عمليات التحويل الإلكتروني إلى 32 ألف معاملة تم فيها جمع 2 مليون دينار وساهمت في رفع المعاناة عن 500 أسرة.

لم يكن ذلك ليتم لولا أن تلك المبادرة تبنتها جهة رسمية فمنحت الثقة لجهة السداد، ولولا أنها قدمت تسهيلات للدفع أتاحت للجميع فرصة تقديم العون دونما حاجة للتحرك من مكانه، وساعدت الحملات الإعلامية التي قادتها الإدارة وعددها 93 حملة إلى انتشار الخبر عن المبادرة وسهولة الوصول لها وسهولة المساهمة فيها.

هذا التسهيل وهذا التبني وهذه المرونة التي قدمتها الدولة ممثلة في وزارة الداخلية هو فعل خير بحد ذاته، أغنى عن البحث والتقصي والذهاب للمحاكم لسداد الدين عن المعسرين، وكانت تلك وحدها عائقاً أمام إنهاء معاناتهم.

مثل هذه المبادرة نحتاجها للعديد من فئات المجتمع هم ذوي احتياجات خاصة (مسنين، ذوي الدخل المحدود، أرامل، ذوي احتياجات خاصة .. إلخ) وليس بالضرورة أن تقدم المساعدات المادية فحسب، بل حتى العينية منها وحتى اللوجستية كالخدمات (توصيل، مساعدة في دفع فواتير، رعاية .. إلخ).

مثل تلك المبادرات لابد أن تخرج خارج الصندوق في أفكارها، أن من شأنها أن تساهم في تخفيف معاناة شرائح كبيرة لا ينقصها المال فحسب بل ينقصها العون على مشقة الحياة.

مبادرات تشرف عليها جهات رسمية وتمنح الفرصة للمتبرعين والمتطوعين أن يقدموا خدماتهم بأن تدلهم على من هم في حاجة وترشدهم إلى نوعية الاحتياج.

وزارة الصحة ووزارة التنمية بإمكانهما التعاون في إطلاق مثل هذه المبادرات التي تتبنى تأسيس قاعدة بيانات ومنصة تحت إشرافها وضمانها السرية وعرض نوعية الاحتياجات التي تحددها وفقاً لدراستها وبحثها ومن جهة أخرى قاعدة بيانات للمتطوعين الذين على استعداد لتقديم الخدمات اللوجستية للمحتاجين.

هناك مرضى وهناك فقراء وهناك أرامل وهناك كبار سن وهناك مقعدون في المنازل يحتاجون الكثير من الخدمات إلى جانب المساعدات المادية، وبالمقابل هناك متبرعون وهناك متطوعون من الشباب على استعداد لكن يجهلون كيفية الوصول إلى هذه الفئات، وتلك المنصات إن وجدت ستكون تحت إشراف الدولة وبإمكانها جمع المحتاج مع المتبرع أو المتطوع لتقديم الخدمة.

هذا ما يفعله أصحاب التراخيص لجمع المال -وهم على فكرة أكثر مرونة ونشاطاً من الجمعيات الخيرية- ويعملون الآن بشكل ومجهودات جماعية مع فرق بحث وتقصٍ، ولو وجدت الجهات الرسمية التي لا تغرق العمل بالبيروقراطية المميتة وتساهم في خلق المنصات التي تسهل عملهم لأمكننا الاستجابة لدعوات جلالة الملك حفظه الله وتخفيف العبء على شرائح كبيرة من المواطنين.

صدقوني لو جمعنا ما تملكه الجمعيات الخيرية والصناديق الخيرية وصندوق الزكاة والأوقاف الجعفرية وفتحنا المجال للمتبرعين الأفراد والمؤسسات لاستطعنا جمع ما يغني أهل البحرين كافة، العملية مبعثرة وتحتاج إلى تنظيم، إن شبكة الضمان الاجتماعي الأهلية قادرة على أن تسد الكثير من النقص في الجانب الرسمي لو منحت التسهيلات المطلوبة وساعدتها أجهزة الدولة لوجستياً دون أن نرهق الميزانية بشيء.