عشق المحرق كل من استوطنها أو مر عليها سواء في التاريخ القديم أو الحديث، وقد اطلعت على رصد متفرد لتاريخ المحرق بقلم الأستاذ الدكتور إبراهيم عبدالله مطر الأكاديمي بكلية الهندسة جامعة البحرين في كتابه «المحرق.. عناق أزلي بين الحاضر والتاريخ»، لكي يجسّد عالم الهندسة رسالة عشق ورصد سيذكرها له التاريخ، فكانت ذكرى الأوائل والجدود حاضرة بنسيج أدبي فريد.

لا نستطيع استعراض تاريخ مدن الخليج العربي دون ذكر مدينة المحرق الضاربة بجذورها في التاريخ والتي عشقها كاتبنا منذ صغره فأخذ يراودها حباً فيلملم الصور القديمة والوثائق ومعها حكايات الأجداد العالقة بين طرقات المحرق قبل أن تكون محفورة في الأذهان.

على المستوى الشخصي أحببت المحرق منذ أن وطأت أقدامي البحرين منذ أكثر من عقدين، وطالما سمعت عن حكاياتها والأهازيج الجميلة الموروثة لأهلها. عاصمة البحرين في عهد صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة طيب الله ثراه، في منتصف القرن الماضي، و«أرادوس» الإغريق الذين جعلوا منها مركز مراقبة للممرات المائية المهمة بين الحضارات القديمة، فلم يكن لاختيار الكاتب لاسم الكتاب من فراغ فأرخبيل البحرين وعروسه المحرق ضاربان جذورهما في التاريخ، ولا تستطيع أن تتجاهل العناق الأزلي بين الحاضر والتاريخ المتجسّد في كينونة المحرق وأهلها.

إن الحب الكامن في قلب الكاتب يتجسّد في كتابه حينما يتحدث عن تاريخ المحرق وعظمتها عبر التاريخ، فلم تكن المحرق وليدة عصر النفط الذي وإن غيّر من المعالم الاقتصادية لدول الخليج، ولكنه لم يُغيّر في كينونة المحرق، وقد عبر د.مطر عن هذا المزيج في قوله «ارتبطت المحرق بإقليم الخليج من حيث الطباع الأصيلة وقومية عروبية الانتماء للوطن العربي الكبير، وإسلامية الولاء من حيث العمق الإسلامي المتجذر في ربوعها»، لكي يجسّد حالة أهل البحرين التي تتطور وتستوعب كل ما هو أصيل.

إن مفردات د. مطر ستشكل سطراً مهماً في تاريخ الباحثين والراصدين لتاريخ المحرق وخصوصيتها لدى أهل البحرين والخليج والعالم لكي يصنع له مكاناً بين الأدباء والشعراء ومدوني الحراك الأدبي والثقافي الذين رصدهم في كتابه، فرغم حداثة الطباعة وقيمتها الفاخرة إلا أنك تستطيع أن تشتم عبق التاريخ من خلال أسطر مطر التي رصدت ما لا يمكن رصده وكأنه كان يتحدث للحصى في الأزقة والطرقات كي يسألهم عن تاريخ الأجداد. «مدينة اللؤلؤ» رغم مساحتها الصغيرة إلا أنها غزت القلوب على مر العصور وجسّدت عظمتها وريادتها الخليجية والعربية فكانت الأولى في نواحٍ شتى، وقد رصد كاتبنا العديد من الشواهد التاريخية في البحرين سواء على مستوى العمارة وفنونها، أو الأدب ورواده، أو الفنون وتفردها حيث أشار إلى المعاناة والتجارب الصادقة التي امتزجت بالعادات والتقاليد ونضالهم الذي ألمح له كاتبنا ما بين شجون البحارة وقصصهم عن أفاعيل البحر وحكاياتهم الأسطورية عن الجن ليجعل من الكتاب أيقونة فقد سكن كاتبنا المحرق وسكنته، ولأن سطورنا محدودة فأتمنى أن أسترسل في رصد كتابنا في مقال آخر.