يعيش العالم اليوم تناقضات وانهيارات وتدهوراً في منظومة القيم والأعراف والأخلاق مع تراجع شديد في سن قوانين رادعة وتراخٍ في تطبيق الحد الأدنى لما هو مشرّع من الدساتير الدولية مسبقاً والتي تنظم العلاقة بين الأفراد لتساهم بالتالي في الاستقرار وحفظ السلم المجتمعي مع احترام ومراعاة حقوق الإنسان وحرية المعتقد.

كل ذلك مجتمعاً لو تم تطبيقه لساهم في الحد من الانفلات الخلقي والتشهير والتنمر والذي تمدّد بشكل مخيف مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والذي مازال خارج سيطرة المنظومة الدولية إلا بما هو متعلق في أمن الدول، ولم يقف الأمر إلى هذا الحد بل تعداه إلى تهديد خطير بازدراء الأديان والتعرّض للرموز والمقدسات الدينية!

وما حدث مؤخراً في السويد من تصرّف طائش غير مسؤول من حرق للمصحف الشريف من قبل شخص مشتت التفكير مليء بالكراهية والحقد والعقد هو نتيجة حتمية للبيئة التي ترعرع وانحدر منها وتقلبات حياته وعمله تحت لواء الميليشيات في «العراق» وهو لا يحمل أي فكر لمحاورته، وقد وقعت الحادثة الشنيعة منه تحت حماية وأنظار الأمن السويدي.

فالمسؤول الأول عن هذا التصرّف هو ليس ذلك المأزوم بل الحكومة السويدية التي هيأت له الغطاء القانوني ليستفز مشاعر مليار ونصف المليار مسلم.

ومن وجهة نظري كمتابع للحدث أن ما وقع ليس محض صدفة أو اعتباطاً بل هو أمر دُبّر بليل أنضجته القوى المعادية للإسلام لجسّ نبض الشارع في العالم الإسلامي بعد أن قاربت داعش الإرهابية والأحزاب الإسلامية التي تسلّمت السلطة في أكثر من بلد إسلامي وعربي على تنفيذ ما هو مرسوم لها والتأكد من إنجازها لمخططها في تشويه صورة الإسلام وسلخ قطاع لا يستهان به من شريحة الشباب عن دينهم ودفعهم للإلحاد، مع إيقاف انتشار وزحف الإسلام لعقر دارهم، فأفضل عمل يقومون به للوقوف على مدى نجاح مخططهم عن مدى التصاق المسلمين بدينهم بعد تلك الهزات العنيفة التي تعرض لها العالم الإسلامي هو إما التعرّض لمقام النبوة أو حرق المصحف!

ولو تلاحظون سادتي الأفاضل أن تلك الحالة تتكرر بين الفَيْنة والأخرى، ولا أظن أن السويد تُجازف بعلاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع ما يناهز ربع سكان الكرة الأرضية والتي ربما ستنهار حكومتها بسبب ذلك ما لم يكن هنالك تطمين وضمان يجنبها هذا المنزلق الخطير، ومن الملاحظ أيضاً أن هذا الاختبار تتناوب عليه الدول الغربية فتارة تقوم بالدور الدانمارك ثم تعقبها فرنسا والسويد وغيرها، وهكذا تتم المناورة في تقاذف كرة النار.

وأخيراً فإن ‏حملة حرق المصاحف هي ليست الفعلة الأُولى ولا الأخيرة من قِبَل المنحرفين من الدول والأفراد والجماعات، ولن يصلوا إلى مبتغاهم فكتاب الله محفوظ في الصدور.

إن المنحرف الذي قام بالدور والمدعو «سلوان موميكا» هو من نتاج المشروع الأمريكي والغربي بالتزاوج مع المشروع الإيراني في العراق وكثير ممن هو على شاكلته وربما ألعن منه من أتباع الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا واليمن ولبنان مازالوا يمارسون جرائمهم التي تقشعر منها الأبدان، وهم قد فعلوا أعظم من ذلك عندما أقدموا على سلخ وحرق الأبرياء وهم أحياء واغتصابهم القصر وهدمهم آلاف المساجد ودور العبادة على رؤوس الرُّكّع السُّجود وحرقهم المصاحف بداخلها.