تُعتبر كازاخستان، دولة محورية وهامة في منطقة آسيا الوسطى والعالم نظراً لموقعها الاستراتيجي الفريد، حيث تقع في منطقة «أوراسيا» بين أوروبا وآسيا، وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، إذ تتجاوز مساحتها 2.7 مليون كيلومتر مربع.

في يناير 2022 شهدت هذه الدولة الهادئة اضطرابات عاصفة واحتجاجات غير سلمية مدفوعة بتدخلات خارجية، وكادت هذه الأحداث أن تتسبّب بتقويض استقرارها ونظامها الدستوري، لكن نجحت مؤسسات الدولة بنهاية المطاف من السيطرة على هذه الأحداث والحفاظ على استقرار البلاد، وفي أعقاب ذلك شرعت قيادة كازاخستان بتنفيذ إصلاحات ديمقراطية واسعة النطاق وتحديث الاقتصاد، وخلال فترة وجيزة نالت هذه الإصلاحات رضا الشعب وآتت ثمارها داخلياً وخارجياً، لتتجاوز البلاد أزمتها وتتطلّع إلى المستقبل ولتعود كازاخستان لممارسة دورها الحيوي في منطقة آسيا الوسطى الاستراتيجية التي تضمّ إلى جانبها كلّاً من أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان، ولتقود مجدَّداً جهود هذه الدول نحو التنمية والازدهار. وضمن هذه الجهود استضافت كازاخستان الأسبوع الماضي منتدى آسيا الوسطى الأول للأمن والتعاون بمشاركة مسؤولين من الأمم المتحدة ونخبة من السياسيين والمفكرين الدوليين من 25 دولة، وبدعوة كريمة من وزارة الخارجية بكازاخستان، حَضَرْتُ هذا المنتدى ممثِّلاً لصحيفة «الوطن» ضمن وفد الصحافة الدولية المشارك بتغطية فعاليات المنتدى، حيث كشف هذا المنتدى الهامّ عن تطلُّعات دول آسيا الوسطى لتعزيز أمنها وبناء شراكات قوية فيما بينها ومع التكتلات الإقليمية والعالمية الأُخرى، وذلك في ظلّ ما تمتلكه من إمكانات اقتصادية واعدة وهائلة إذ يبلغ الناتج المحلّي الإجمالي لهذه الدول نحو 350 مليار دولار سنوياً.

وفضلاً عن موقعها الاستراتيجي الحيوي، تمتلك دول آسيا الوسطى كذلك موارد طبيعية هائلة، فعلى سبيل المثال تُنتج كازاخستان يومياً 1.8 مليون برميل يومياً من النفط ويُنتج حقل واحد فيها وهو حقل تنغيز نصف مليون برميل يومياً، وهو ثاني أضخم حقل بالعالم ويبلغ احتياطيه نحو 6 مليارات برميل. وعلى صعيد الغاز الطبيعي أنتجت كازاخستان 54 مليار متر مكعب العام الماضي وتُخطِّط لرفع الإنتاج إلى 87 مليار متر مكعب بحلول 2030. كما تُنتج 20 ألف طنّ سنوياً من اليورانيوم بنسبة 40% من الإنتاج العالمي. وكذلك تمتلك بقية دول آسيا الوسطى موارد كبيرة من الذّهب واليورانيوم والمعادن النفيسة الأُخرى. ومن المُتوقَّع وفق الخبراء أن تكون دول هذه المنطقة المصدر الرئيسي لتلبية الوقود الذرّي للطاقة النظيفة بالعالم خلال العقود المقبلة.

وفي ظلّ هذه المقوِّمات الحيوية والإمكانات الهائلة، تَكمن أهمية العمل على تقوية العلاقات العربية مع كازاخستان ودول آسيا الوسطى بوصفها دولاً واعدة اقتصادية ولضرورة تنويع الشراكات الدولية واستكشاف الفُرص الناجحة مع التكتّلات الاقتصادية المختلفة حول العالم. وفي هذا الإطار فإن القِمّة الأُولى بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى التي انطلقت أمس بمدينة جدة السعودية، تكتسب أهميّةً كبيرةً على هذا الصعيد، ومِن المُؤمَّل أن تدفع هذه القِمّة باتجاه تأسيس شراكة اقتصادية ناجحة وتعاون إقليمي مُثمر بين منطقتين من أكثر المناطق أهمية في العالم جغرافياً وسياسياً واقتصادياً، ولتكنْ هذه الشراكة المرتقبة بدايةً لفتح آفاق أوسع للتعاون العربي عُموماً مع دول هذه المنطقة الواعدة اقتصادياً.