لا شك في أن إسرائيل هي المسؤولة عن كل ما يجري في غزة، فوجودها من أساسه قام على الاعتداء على وجود الشعب الفلسطيني في أرضه، فهي منذ إقامتها عام «1948» تسببت بنكبة الشعب الفلسطيني، وحرمانه من هويته ومن وطنه، وهي تواصل حرمانه من حقوقه وامتهانه والاعتداء عليه، منذ 75 سنة، فاقم من ذلك مؤخراً انتهاكها للمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتزايد هجمات المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية وفي القدس، لكن في نفس الوقت قرار الحرب لا يتخذ نتيجة الانجرار وراء الانفعالات والعواطف، فهذه لا تجدي شيئاً في ظروف تشتغل فيها موازين القوى، والمعطيات العربية والدولية، وفي وضع يفترض أكبر قدر من ترشيد العقل في اتخاذ القرارات وتقرير السياسات ولا شك في أن ما حدث في يوم السابع من شهر أكتوبر الحالي شكل صاعقة في الذاكرة الإسرائيلية وأصبحت المنطقة بأسرها مقبلة على مرحلة جديدة حيث بعد أن كان الهدوء يسود المنطقة العربية وكان التقارب بين السعودية وإيران قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق، وفجأة بعد الهدوء الذي يسبق العاصفة جرفت المنطقة عاصفة من نوع جديد، وصَحَونا في السابع من أكتوبر على سماع خبر أن كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس شنت هجوماً على مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة سمي بـ«بطوفان الأقصى» أدى إلى مقتل أكثر من 1300 إسرائيلي. ولأول مرة في تاريخ إسرائيل تَنْفَذُ حركةٌ فلسطينية إلى العمق الإسرائيلي بهذا الشكل.

ولا تزال غزة بالتحديد تعيش مرحلة ارتداد لتبعات هذا «الطوفان»، وإن قراءة واقعية وعقلانية للنتائج التي ترتبت على هذا العمل تجعلنا نتساءل: هل كانت نتائج ما سمي «طوفان الأقصى» من مصلحة القضية الفلسطينية أم العكس؟ صحيح أن الشيء الذي تحقق للقضية الفلسطينية بعد ما حدث في 7 أكتوبر هو أنه جعلها في دائرة الاهتمام الدولي والشغل الشاغل لكل دوائر اتخاذ القرار في العالم بعد أن كانت «مهمشة»، وثبت للعالم أنه لا بديل عن حل الدولتين، لكن الثمن الذي دفعه أهل غزة كان باهظاً؛ فلقد حل بغزة وأهلها المدنيين العزل ما حلّ من الدمار والإبادة؛ حيث عاش سكان غزة أوضاعاً مأساوية وإزهاق أرواح وتدميراً لمساكنهم وللبنية التحتية لقطاع غزة من مستشفيات ومدارس ومساجد وطرق وإبادة جماعية وتهجيرهم من أرضهم ومنع كل مقومات الحياة لهم من ماء وكهرباء وغذاء وأدوية ووقود واتصالات والمجازر البشرية التي أوصلت عدد القتلى إلى أكثر من اثني عشر ألف قتيل دون أن تفرق بين أطفال وشيوخ ورجال ونساء، ولذلك لا بد أن يعتبرها القانون الدولي «جرائمَ حرب» يحاسب عليها من ارتكبها ويضع حلاً شاملاً للقضية الفلسطينية تُلزم إسرائيل به وإلا تبقى القضية في دائرة العنف والعنف المضاد مادام الشعب الفلسطيني قد بقي دون دولة ذات سيادة معترف بها وتكون هناك جهة تمثل الشعب الفلسطيني وهي منظمة التحرير الفلسطينية وأي تنظيم فلسطيني آخر لا يقبل بذلك يتحمل مسؤوليته.

والتفكير العقلاني يجعلنا نقول إن عمل حماس جعل إسرائيل ورغم ما حدث لها من اختراق أمني تحقق كثيراً من المكاسب منها أنها وجدت لها تعاطفاً دولياً في البداية من كثير من الدول واستغلت هذا التعاطف كفرصة لها للانقضاض على غزة وتغيير الواقع الجيوبولوتيكي لها؛ حيث لا يتوقع بعد الحرب أن تحكم حركة حماس قطاع غزة في ضوء ما يجري على الواقع، فلقد تفككت كل مؤسسات الحكومة في غزة وتم تغيير في التركيبة السكانية لغزة وإعادة بناء غزة قد يكون شبه مستحيل ولذلك تتحمل «حماس» إلى حد كبير المسؤولية كاملة والتي انشقت عن منظمة التحرير الفلسطينية واتخذها النظام الإيراني مطية لتحقيق مآربه وهي التي جنت على أهالي غزة.