مع مرور 90 يوماً على حرب الإبادة والتطهير العرقي التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والتي أسفرت حتى الآن عن استشهاد 23 ألفاً وهي حصيلة لا تتضمن من هم ما زالوا تحت الأنقاض، فضلاً عن 58 ألفاً آخرين من المصابين، تمضي سلطات الاحتلال الإسرائيلي بخطوات متسارعة لتنفيذ مخططها الشيطاني بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة قسراً ودفعهم إلى خارج أراضيهم، عبر خطة ممنهجة لجعل القطاع غير صالح للحياة بعد الحرب وذلك من خلال القصف اليومي المتواصل والمكثف والذي أدى حتى الآن إلى هدم أكثر من 70% من منازل الفلسطينيين بالقطاع، وإجبار 90% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، على ترك منازلهم والنزوح عن مناطقهم، وآخر ما تكشّف من هذه الخطة هو ما أفصح عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً بشأن نية إسرائيل احتلال «محور فيلادلفيا»، وهو شريط حدودي بين مصر وقطاع غزة يقع ضمن المنطقة «د» العازلة بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 ويمتد من البحر المتوسط شمالاً إلى معبر كرم أبو سالم جنوباً، بطول 14 كيلومتراً، وكانت إسرائيل تسيطر على هذا المحور ضمن سيطرتها على المنطقة «د» التي ينتمي إليها، حتى انسحبت من غزة عام 2005، ومن ثَم وقعت على «اتفاقية فيلادلفيا» مع مصر، والتي تخضع لأحكام معاهدة السلام بين البلدين، وكذلك توقيعها على اتفاقية المعابر مع السلطة الفلسطينية، ولذلك فإن إعادة احتلال إسرائيل لهذا المحور يعد من الناحية القانونية اعتداء وخرقاً للاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية ومصر، ولكن الأخطر من ذلك هو تبعات تنفيذ هذا المخطط، لأن احتلال «محور فيلادلفيا»، يؤكد نية إسرائيل محاصرة قطاع غزة وتطويقه بشكل كامل بهدف تضييق الخناق على الفلسطينيين هناك وقطع الرابط البري الوحيد بين قطاع غزة ومصر، وهو ما سيؤدي إلى توقف الإمدادات الإنسانية من آخر شريان حياة لسكان القطاع، عبر معبر رفح البري، الذي يمثّل المنفذ الرئيسي والوحيد المتبقي لأهل غزة للبقاء على قيد الحياة، بعد أن أغلقت إسرائيل جميع المنافذ الستة الأخرى منذ بدء الحرب، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى منع دخول المساعدات الطبية والغذائية إلى القطاع، وتفاقم الأزمة المعيشية والإنسانية بشكل تنعدم معه أي مقومات للحياة، وكل هذا سيدفع لا محالة أهل القطاع في نهاية المطاف إلى الهجرة القسرية عن غزة وترك أراضيهم.

إن خطة إسرائيل لاحتلال «محور فيلادلفيا» تكشف بجلاء عن نواياها ومخططاتها الخبيثة بإفراغ قطاع غزة من سكانه وتهجيرهم إلى خارج القطاع وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وهي مخططات معروفة ومعلنة، وسبق أن أعلن نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين صراحة عزمهم على تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى سواء عربية أو أوروبية بواقع 10 آلاف فلسطيني في كل دولة، كما كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أيام عن تكليف إسرائيل لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بمهمة التوسط لدى الدول الأوروبية وإقناعها باستقبال مليوني فلسطيني في إطار عملية التهجير، أما أعجب العجائب فهو قيام إسرائيل بإجراء مباحثات مع الكونغو من أجل انتزاع الفلسطينيين في غزة من أراضيهم وتهجيرهم قسراً إلى تلك البلد الواقعة في وسط إفريقيا، ولذا فإن هذا المخطط الإسرائيلي الإجرامي يستوجب أكثر من أي وقت مضى موقفاً عربياً وإسلامياً حاسماً وصارماً للتصدي له، وإنهاء معاناة أهل غزة وإيجاد حل نهائي عادل للقضية الفلسطينية يضمن للشعب الفلسطيني نيل كل حقوقه المشروعة ككافة شعوب العالم.