حديثي اليوم إليكِ أيتها الأم التي ترعين صغاركِ وتحنين عليهم، أنت اليوم تدورين في دوامة سريعة الدوران، بين رعاية صغاركِ واحتضانهم وتوفير احتياجاتهم، وتقضين طوال الوقت بعد اليوم المدرسي في تدريسهم لتكوني أنتِ المعلمة المساندة ولكن دون أجر أو مقابل، دوامتكِ يا أم الصغار لاتقف عن الدوران فأنت منغمسة في متابعة تنمية مواهبهم فتبحثين عن النوادي والمعاهد التي تطرح برامج لتدريبهم، فتقطعين من وقتك لتوصيلهم من وإلى النادي أو المعهد، وتتابعين أداءهم مع المدربين ليلقى عليك عبئاً آخر إضافة إلى عبء متابعة تحصيلهم الدراسي، دوامتكِ عزيزتي الأم لا تقف عن الدوران فأنتِ تتابعين حالتهم الصحية، فإن مرضوا تهبين للاستغاثة بالأطباء وتكونين أنتِ الممرضة وأنتِ الأم الحنون، دوامتكِ عزيزتي لا تقف عن الدوران فأنت تحرصين على توفير أحسن الملابس لأبنائكِ فجولتكِ في الأسواق لتوفير طلباتهم تستقطع من وقتكِ وجهدكِ، كل هذا العطاء تقدمينه بحب وسعادة لصغاركِ، بل ربما تجدين من يمد يد العون لكِ في رعايتهم لكنك لا تستأمنين غير قلبكِ الحنون على رعاية أبنائكِ وخدمتهم، فعين قلبكِ هي التي تسهر على راحتهم وترعاهم ليل نهار.

ولكن دوامتكِ هذه ستقف في يوم ما، فسيغادر صغاركِ بيتكِ، سيغادرون عشكِ الجميل، ويحل محلهم ضيف ثقيل إنه الصمت والوحدة، فلن تسمعي خرخشة مفاتيح البيت تقطع صمت ليلكِ عند عودة أحدهم من الخارج، ولن تجدي تلك الملابس التي تلقى يميناً وشمالاً في أرجاء البيت لتحومي خلف أبنائكِ لجمع تلك الملابس وإعادتها لمكانها، وستتعلق عيناكِ بجرس الباب عل أحد منهم يقرعه ليزوركِ، فهم مشغولون برعاية أبنائهم، ومسؤوليات عملهم، فتسألين نفسك ماذا بقي لي من ذلك الجهد والوقت الذي أنفقته على أبنائي؟ ماذا حصدتِ من زرعك الذي غرستيه؟ فجهدكِ لرفع مستوى تحصيلهم سيساعدهم للحصول على وظائف وسيسهل ترقياتهم في عملهم، وجهدكِ في تنمية مهاراتهم الحياتية ستنفعهم في إدارة منازلهم، وجهدكِ في تنمية مواهبهم سيحصدون هم ثمراتها، ولكن ماذا يبقى لكِ أنتِ؟! لن تجني إلا من غرس واحد فقط، ستجنين غرسكِ في تربيتهم على الاهتمام بصلة الرحم وزيارة الأقارب،لأنهم سيصلونكِ ولن ينشغلوا عنكِ، ستجنين غرسكِ في تربيتهم على الرحمة والتعاون ومساندة الآخرين، لأنهم سيساندونكِ ويحنون عليكِ عند ضعفكِ، وجهدكِ على تنشئتهم على الصلاح وقراءة القرآن ليكونوا أولاداً صالحين يدعون لكِ، هي معادلة محسومة يا أم الصغار فجهدكِ في تعليمهم وتطوير قدراتهم سيحصده أبناؤكِ، وجهدكِ في تربيتهم على الأخلاق والقيم الاجتماعية والترابط الأسري، ستحصدينه أنتِ، فأعيدي النظر في معادلاتكِ في رعايتكِ وتربيتكِ لأبنائكِ، أعيدي النظر في تحديد أولوياتكِ في تربية أبنائكِ، واغرسي شجرات مثمرة تجنينها عندما يتقدم بكِ العمر..

فدمتِ سالمةً يا أم الصغار.