المشهد الأول: فاطمة ابنة السادسة عشرة، متميزة أكاديمياً وهدفها واضح منذ أن كانت طفلة. كانت تحلم فاطمة أن تصبح طبيبة. ثابرت فاطمة وسعت على مدى السنين الدراسية وكان تحصيلها الأكاديمي ممتازاً.

لكن توفي والدها في الفصل الأول من المرحلة الثانوية وهي السنة المصيرية التي تحدد مصير أغلب الشباب والشابات في مملكتنا الحبيبة، وعند الإعلان عن نتائج فاطمة النهائية تبين لها أنها لن تستطيع أن تحقق حلمها مستقبلاً.

المشهد الثاني: أصبح أحمد يبكي بحرقة بعد أن تلقى خبر درجاته النهائية للفصل الأول للسنة الأولى من المرحلة الثانوية، حيث بدا المستقبل لأحمد مظلماً وقال في لحظة غضب «حبي لكرة القدم يجعل مني إنساناً فاشلاً، لن أستطيع أن أواصل دراستي الجامعية وتحقيق حلمي».

إذا تمعنا جيداً في هذين المشهدين نرى أن مشاهد مماثلة تتكرر سنوياً بعد مرحلة تقييم الفصل الأول للسنة الأولى من المرحلة الثانوية، حيث الكثير من أبنائنا وبناتنا يعانون معاناة فاطمة وأحمد من تحطم آمالهم وأمانيهم لظروف وعوامل تؤثر سلباً على درجاتهم النهائية لذلك الفصل. فاطمة كانت تنعى والدها فقيداً حيث مشاعر الحزن سيطرت على حالتها النفسية آنذاك.

رغم المحاولات لم تكن فاطمة في الحالة النفسية التي تستطيع بها أن تدرس وتعمل للوصول إلى ما يدخلها كلية الطب في ذلك الفصل. حزنها على والدها كان يطغى على استيعابها للمواد العلمية ويؤثر على تركيزها أثناء الدراسة.

بينما أحمد كان يعيش مرحلة طبيعية لمن هو في سنه، حيث إن شغفه الرياضي أدى إلى الانجراف لما هو محبب إلى قلبه وهو الالتزام بجدول التدريب المستمر والتميز في لعبة كرة القدم التي كان منشغلاً بها طوال أيام الأسبوع.

وبما أننا تطرقنا لدرجات الفصل الأول من السنة الأولى للمرحلة الثانوية، فلنقف هنا قليلاً ونتكلم عن مبدأ وفلسفة وأهداف التقييم بشكل عام. كان التقييم ولازال يستخدم لبيان قيمة الشيء لكي يقدر، وفي مجال التعليم والتعلم يعتبر التقييم هو إجراء عملي تقديري ممنهج وغير متحيز لتحديد مدى تطور المعلومات والمهارات لدى الطالب، ويعتبر هذا السبب هو الهدف الرئيس للتقييم.

فلنتمعن أكثر في الهدف من التقييم ومدى فاعلية هذا الهدف لتهيئة أفراد ذي تأثير وإنتاجية عالية لبناء مجتمع صحي ومزدهر.

إن الأبحاث التربوية والنفسية الحديثة في ممارسات التعليم والتعلم وأهداف التقييم تطورت بشكل جذري لتأخذ منحى آخر للتقييم قد يكون غريباً للبعض وهو «التقييم للتعلم». من مميزات هذا المبدأ الحديث للتقييم هو أنه يساعد الطالب على تطوير أساليب التعلم لديه لكي يوظف المعارف والمهارات التي اكتسبها من مرحلة إلى مرحلة أكثر تعقيداً. كما هو الحال في السنوات الثلاث للمرحلة الثانوية. كما يساعد الطالب على توظيف المعارف والمهارات المكتسبة في مجالات عملية وحياتية مستقبلاً.

لكن للأسف النظام المطبق حالياً وهو نظام المعدل التراكمي الذي يبدأ باحتساب المعدل من الفصل الأول للسنة الأولى للمرحلة الثانوية، وهو لا يخدم التطور الفكري الذي يحدث تدريجياً للطالب على مدى ثلاث سنوات ولا يساعد على التعرف على الأفراد القادرين على مواكبة مسيرة التطور المستمرة. لذلك يجهض هذا النظام أحلام ومستقبل الكثير من أبنائنا وبناتنا مثل فاطمة وأحمد اللذين لم يتعديا سن السادسة عشرة ومع ذلك تم تحديد مصيرهما بعد ٤ أشهر فقط من بدء المرحلة الثانوية. وقد نخسر الكثير من الطاقات الشبابية بتطبيق آلية المعدل التراكمي للتقييم التي تعتمد على مبدأ الفرز فقط.

الجدير بالذكر أن مرحلة الفصل الأول من السنة الأولى للمرحلة الثانوية تعتبر مرحلة مبدئية وتعريفية للطلبة، حيث يتعرفون خلالها على المتطلبات الدراسية في تخصصات قد تكون جديدة عليهم، ويحاولون في هذه المرحلة خلق معاني لمصطلحات لم يتطرقوا لها من قبل. كما أنهم في أغلب الأحيان يكونون في مرحلة المراهقة التي تحتاج الكثير من الدعم الاجتماعي والتربوي للمحافظة على صحتهم النفسية التي تلعب دوراً هاماً في اختياراتهم المصيرية ذات الأثر البعيد.

كأي نظام مر عليه ردح من الزمن، بات من الضروري على الجهات المعنية مراجعة نظام المعدل التراكمي واستحداث نُظم تناسب التطور العلمي الذي طرأ على العلوم الإنسانية وتطبيق منهجية تقييم متطورة أسوة بالممارسات الحديثة في مجال التعليم والتعلم ومناسب لوطننا الحبيب. ومع وجود أهل الاختصاص والجهات المعنية بجودة التعليم أرى أن الموضوع يحتاج توظيف مجموعة من أصحاب الخبرة والمطلعين على أحدث المنهجيات لاستحداث نظام تقييم جديد من دون إغفال لآراء المعلمين والمعلمات في ميدان الحقل التربوي.