الديمقراطية بالمفهوم الشامل ليست نظاماً سياسياً فحسب إنما هي حياة يعيشها المجتمع بأكمله، وبالتالي لا تقتصر على المؤسسات الرسمية مثل البرلمان، بل هي في حقيقتها ثقافة تسمح بتعدد الآراء وتنوعها وانفتاح على كل ما هو جديد من الأفكار والتفاعل معها بقيمة عليا وهي «التسامح» والتي تسمح بالتعايش السلمي، بل وأكثر من التسامح هناك «التآلف» مع الغير وبأن يكون لكل فرد في المجتمع مكانة وحرية في التعبير عن الرأي في إطار المسؤولية الوطنية بغض النظر عن جنسه أو معتقداته مادام هو يحترم رأي الآخرين، ولذلك المشروع الإصلاحي في مملكة البحرين أوجد له جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه أرضية تقوم على دعوته للتسامح والتعايش السلمي مع الجميع وأنشأ لذلك «مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي» لإدراكه بأن الديمقراطية هي بحاجة إلى أن يدرك المواطن فيها بأن هناك رأياً وهناك الرأي الآخر، لا أحد فينا يملك الحقيقة المطلقة أو يعطي صكوك الغفران لكي يهدم كل الآراء التي في المجتمع ويتمسّك برأيه، لذلك الديمقراطية تفترض وجود «معارضة وطنية» تلتقي في الأهداف العليا مع كل الآراء ويكون الحوار كعملية مستمرة في الحياة لا تتوقف ما دامت هناك أمور تستجد كل يوم في الحياة وتحتاج إلى الاجتهاد والتفكير وليس الانغلاق على الفكر والتعصب للرأي، فالعصبية لم تنتج لنا على مستوى الدول العربية والإسلامية إلا «جماعات الإرهاب» مثل «داعش» و«النصرة» وغيرهما، ولذا نجد أن الحضارة الإسلامية تزدهر وتنتشر في العالم بالتسامح والانفتاح على كل الحضارات الموجودة في العالم وأخذت منها وأعطتها.

وما دامت الديمقراطية هي بهذا المفهوم الشامل فهي تنعكس على كل الميادين في المجتمع، ولعل من أهمها التعليم والإعلام وذلك لأنهما لهما الأولوية في تكوين المورد البشري وهو الإنسان، فأما التعليم فهو الذي يتم فيه غرس القيم والاتجاهات لدى الناشئة ويتم تربيتهم على مبادئ الديمقراطية لبناء شخصيتهم قبل تعليمهم العلوم المختلفة، ما فائدة العلم عندما نفتقد الركائز السليمة التي تقوم عليها الشخصية الإنسانية حيث يكون المتعلم يملك رؤية للحياة يميز من خلالها بين الحق والباطل ويملك الثقة بالنفس والانفتاح على الآخرين والمبادرة وتحمّل المسؤولية والإبداع في العمل؟ هذه هي مؤشرات مخرجات التعليم وجودته الحقيقية وليس بأن يُلمّ المتعلم ببعض العلوم فحسب فهذا في حدّ ذاته لا يكفي كمؤشر جيد على جودة التعليم.

أما عن الإعلام فدوره مهم في توفير الشفافية والوضوح في استشراف رؤية المجتمع المستقبلية من خلال وسائل الإعلام وإيجاد الوعي الصادق عند المواطن وليس الوعي الكاذب حتى نوجد لديه المناعة ضد الإشاعات والأكاذيب التي تروَّج في المجتمع، خاصة ونحن في عصر تكاد تسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي على بعض العقول وتنحرف بها نحو مستقبل مجهول، فتكون وسائل الإعلام حينها كأداة للهدم وليست وسيلة لبناء الثقة والحفاظ على مكتسبات الوطن، وبذلك تنمو الديمقراطية وتستمر.