لا أعلم من أين أبدأ، وعلى من ألقِي باللائمة، هل على الأسرة أو المجتمع أو العولمة التي حولها البعض إلى وبال بعد أن كانت من المفترض أن تكون انفراجاً وتطويراً؟ لا أعلم لماذا تركنا الصالح واعتمدنا على الطالح، لماذا ركزنا على تقليد السلبي وتجنبنا كل ما هو إيجابي.

هل القصة بدأت مع ظهور من يطلق عليهم الفاشينستات أو صناع المحتوى أو الأنفلونسر أو البلوغر أو اليوتيوبر أوغيرها من المسميات الحديثة التي قلبت فكر ومنطق جيل بأكمله إلا من رحم ربي، ليتحول هذا الجيل بأفكاره ومعتقداته وطموحه إلى فكر هابط ومعتقد غريب وطموح لا يتعدى حدود الواقع الافتراضي، فباتت منصات اليوتيوب مسرحاً للصراخ عبر اللعب بمختلف الألعاب الإلكترونية التي أدمنتها فئات المراحل السنية، ناهيك عن المحتويات الطائفية التي لا تجد خلالها غير الألفاظ الخارجة عن سياق الأدب والأخلاق، مروراً بمنصة التيك توك التي حولت الكثير إلى مهرجين وتوافه لا همَّ لهم سوى البث المباشر وتحصيل أكثر عدد ممكن من المتابعين المستغفلين الذين يهدون تلك الفئة المبالغ النقدية مقابل تهريجهم وتفاهتهم.

قصر السنع وانعدامه لم يقف عند حد العالم الافتراضي، بل بات واقعاً نعيشه عند التقاطعات ووسط الازدحامات المرورية، عندما يتجاوز قليل السنع طابور المركبات الملتزمة بقوانين المرور وآداب وسلوكات الطريق ليدخل على المنتظمين والملتزمين بدم بارد دون أي اعتبار ضارباً عرض الحائط بالآداب والقيم التربوية والأخلاق، ناهيك عن أصحاب المركبات التي تطوف بالأحياء السكنية في كافة الأوقات بعوادم صوت أشبه بالطائرات وسيارات السباق ناثرين إزعاجهم ليل نهار.

قلة الذوق تجده عند المدارس والمحال التجارية وداخل الأحياء السكنية والأسواق عندما تجد أحدهم يوقف طابوراً من المركبات خلفه ليطلب غرضاً من المحل الفلاني أو ليتناول أطراف الحديث مع المركبة التي بجانبه أو ليتحدث مع أحد المارة.

أين السنع وأين الذرابة وأين ذهبت الأخلاق وسط تلك المشاهد التي ذكرت جزءاً يسيراً منها؟ وإن كانت الأمثلة أكثر من تلك بكثير وحفاظاً على ما تبقى من ماء وجه البعض من أولياء الأمور تجاه أبنائهم إن لم يكن تجاههم هم شخصياً.

باختصار، نحن مقبلون على شهر رمضان المبارك، وهو شهر تهذيب النفس، وهو فرصة لتعديل مسار بعض البيوت التي أنتجت لنا تلك الشاكلة من عديمي السنع، فانتهزوها وقوموا سلوككم، واجعلوه فرصة لتقييم ما مضى من زلات وأخطاء، فرمضان ليس للاستغفار عن الزلات فقط، بل لتقويم المسار وتصحيح العادات وإعادة التربية للصغار... وكذلك الكبار.