لاشك بأن الأمن والسلم المجتمعي هو مطلب جميع دول العالم لكونه منطلقاً من منطلقات التقدّم والبناء، ففقد الأمن وانعدام الأمان يهدمان التقدّم ويطيحان بأي بناء ويلغيان جميع الخطط التنموية، وهو المنطلق الذي بدأ به وزير الداخلية الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبدالله بن خليفة آل خليفة في كلمته بتونس، ليشكل نهجاً جديداً في الخطاب الأمني لامس من خلاله أصول العروبة والجيرة وأساس العلاقات الدولية القائمة على الاحترام والثقة المتبادلة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال حديث معاليه عن الهوية العربية ومقاصدها، ومواجهة خطط عزل الأمة عن ثوابتها وقيمها الأصيلة والمحاولات المستعرة لاستبدال تلك القيم بثقافة مستوردة.

إن خطاباً عسكرياً في محفل أمني يحمل تلك المضامين يعتبر نقلة نوعية في الخطابات التي تُتلى، فالكلمات التي تُطرح عادةً في تلك الاجتماعات تكون مبنيةً على أرقام وإحصائيات تشكّلت من جرائم أمنية يتمّ عرضها في مثل تلك اللقاءات والاجتماعات على المستوى الوزاري العربي، ولكن أن يتمّ البناء على كل تلك الإحصائيات والبيانات والدراسات وتحويلها إلى خطاب يستنهض العزيمة والهمة العربية فإنه بلاشك خطاب مدروس وأسلوب جديد يقوده معالي وزير الداخلية ليعتبر منعطفاً جديداً في مواجهة التحديات والخطط التي تحيكها جماعات الظلال والإرهاب والانحراف في ليل معتم، وكان واضحاً وجلياً من الكلمة التي ألقاها معاليه أن الخطر الحقيقي يهدّد الهوية العربية، وهو محور هام يستنهض من خلاله الشعوب لتكون خط الدفاع الأول والشريك الفاعل لرجال الأمن، وهي التجربة البحرينية التي أطلقها معاليه قبل سنوات عدة وتقوم على مبدأ الشراكة المجتمعية في حفظ الأمن والهوية الأصيلة.

محاور عدة تضمنتها كلمة معالي وزير الداخلية في اجتماع وزراء الداخلية العرب بتونس الشقيقة، لكن محور الشراكة المجتمعية ودور الشعوب كان منطلقاً حقيقياً أرادت البحرين إيصاله لكافة الأشقاء العرب، والذي انتقل من خلاله في نسق ونمط تدريجي إلى الركيزة الهامة الأخرى وهي محور التعاون والتنسيق الذي من شأنه أن يئِد كل أفكار جماعات الإرهاب والظلال حتى وهي في مهدها.

باختصار، لقد خاطب وزير الداخلية في كلمته ضمير الأمة بعيداً عن نهج أي خطاب أمني متعارف عليه، وهو الأمر الذي يشكل لغة جديدة متطورة تصل إلى حد البلاغة اللغوية من جانب، والتطور العلمي والأكاديمي الأمني من جانب آخر.