حياتنا مليئة بالتعاملات اليومية والاضطرار إلى الاختلاط بأفراد آخرين، سواء أكنت أنت معنياً بطلب خدمة أو لعب دور «العميل»، أو كنت أنت بنفسك من تقدم الخدمة وتلتقي المراجعين، وطبعاً هذا الحديث ينطبق على القطاعين العام والخاص.

هنا لست أتحدث عن التعاملات الإنسانية الطبيعية في الأوساط الاجتماعية، إذ هذه بحد ذاتها تحتاج إلى فنون في التعامل البشري، بل أتحدث عن التعاملات في أماكن تقديم الخدمات أو أماكن البيع والشراء، وهذه المواقع الأخيرة هي التي تولد لديك انطباعات سواء إيجابية أو سلبية.

كثير منا مرت عليه مواقف مزعجة، وتجارب مازال يتذكرها بكل أسف، والسبب فيها أمور كلها تندرج تحت عنوان واحد عريض، البعض يصفه بـ«تجربة العميل»، لكنني أصنفه تحت عنوان «أسلوب التعامل».

القاعدة تقول إن «العميل دائماً على حق»، وهذه جملة «نسبية» تقبل التحليل والتأويل، إذ لا يمكن التسليم بها والجزم لأن الحالات تختلف، ونحن نعلم كعملاء أننا أحياناً من نتحمل مسؤولية الخروج بـ«تجربة سيئة»، إذ بعض الأمور ترتبط بأساليبنا الخاصة في التعامل، ناهيكم عن المزاجية، أو القدرة على التحكم في الأعصاب، أو عدم التفهم في مواجهة تطبيق قوانين ولوائح.

لكن أغلب الجهات سواء حكومية أو خاصة تضع قاعدة «العميل دائماً على حق»، وذلك من منطلق السعي لترك انطباعات إيجابية، ولتحقيق الرضا لدى العملاء، وفي هذا الجانب أرى العملية مبعثها «تقدير العملاء» والسعي لكسب رضاهم وتقديم أفضل الخدمات لهم، وحتى لو وجدت بعض الأمور المرتبطة بالقانون والضوابط قد «يتضايق» منها العميل، فإن «أسلوب التعامل الراقي» هو الفيصل في الأمور.

شخصياً مررت بمواقف عديدة مرتبطة بالتعامل مع جهات حكومية وخاصة، وللأمانة أقولها إن عدد المواقف السلبية قليل جداً بالمقارنة مع المواقف الإيجابية، وكان «الفيصل» بين الأمرين هو «التعامل»، والأجمل أنه تعامل من كفاءات بحرينية شابة وحتى أصحاب خبرة، أسلوبها يفرض عليك احترامها وتقديرها وأن تحمد الله أن جعلها تتقاطع مع طريقك.

اليوم ما يهم في الحياة هو «الراحة في التعامل» وتحقيق الرضا من خلال تقديم الخدمات، وهنا لا بد من الوقوف والتفكير طويلاً، إذ ما الذي يمنع بعض الأفراد من انتهاج أساليب أكثر رقياً وأكثر إنسانية وأكثر تواضعاً في التعامل مع الآخرين؟!

البعض للأسف يظن أن الارتقاء في المناصب، أو الوصول إلى موقع من صلاحياته التحكم في القرارات، بأن أسلوب التعامل مع العملاء أو المراجعين يجب أن يكون بشكل رسمي جاف، أو حتى استعلاء وفوقية، والأخيرة سمات عفّى عليها الدهر، بل تعتبر من الأخطاء الجسيمة التي تُرتكب بحق الناس.

اليوم من يتعامل مع الناس برقي وأخلاق وتفهم هو من يفرض نفسه، وهو من يصنع لنفسه والمكان الذي يمثله سمعة إيجابية ترفع من قدرهم وتجعل الناس تشيد بهم، بل توصي بالتعامل معهم للآخرين.

بودي أن أذكر نماذج بحرينية مشرفة بأسمائهم ومواقعهم، لكنني أدرك حساسية هذا الأمر وأبعاده، لكنني أقول عن تجارب شخصية عديدة، صادفت أشخاصاً هم «فخر» لبلادنا الغالية، وأشخاصاً «يستحقون» ثقة من عينهم وأعطاهم مواقع مسؤولية، وأثبتوا أنهم على قدر الثقة.

ندعو الله أن يكثر من أمثال هذه النماذج المشرفة؛ فوجودها وزيادة عددها «نعمة» لبلادنا الغالية ولكل شعبها ومن يعيش فيها ويزورها.