خلال الحرب العالمية الأولى استعانت الدولة العثمانية بمجموعة من كبار الضباط الألمان في إدارة وقيادة الجيش العثماني، ومن بين هؤلاء الضباط المشير الركن فون دركولج، الذي أسندت إليه مهمة قيادة الجيش العثماني السادس، ومنطقة نفوذ هذا الجيش هي ما كان يعرف سابقاً «بالخطة العراقية» كان ذلك قبل نشوء الدول الحديثة التي أسفرت عنها نتائج الحرب، والخطة العراقية كانت تشمل أجزاء واسعة من المنطقة العربية وأجزاء كبيرة من إيران، وعادة ما كانت الدولة العثمانية تسند ولاية بغداد لقائد هذا الجيش الذي كانت بغداد مقر قيادته، فتجد قائد الجيش هو والي بغداد أيضاً، ولكن عندما عين فون دركولج اقتصرت مهمته على قيادة الجيش فقط وليس إدارة بغداد، وعندما وصل المشير الألماني إلى بغداد ليباشر مهام عمله كان عليه أن يختار مقراً لقيادة الجيش، لأنه في السابق كان مقر القائد هو مقر ولاية بغداد كون القائد هو والي بغداد كما ذكرت، فوقع اختيار المشير دركولج على قصر كبير ورائع، بني على الطراز البغدادي، وموقعه في منطقة «السنك» في بغداد على شاطئ دجلة وسط بساتين النخيل، يملكه التاجر البغدادي عبد القادر باشا الخضيري، فاتخذه المشير مقراً لقيادته وجعل منه قلعة بالغة الهيبة، لكن إقامته في هذا القصر لم تدم طويلاً فقد عاجله الموت داخل هذا القصر بعد إصابته بالتيفوئيد، وبعد سقوط بغداد في مارس 1917 على يد الجنرال الإنكليزي ستانلي مود، بدأ بالبحث عن مقر لقيادته وإقامته وسرعان ما اختار القصر نفسه الذي سكنه غريمه الألماني، وهذا هو السبب الأول للاختيار أما الثاني فهو حرصه على إظهار هيبة المملكة المتحدة، والتي سيعكسها هذا القصر بالتأكيد، لكن الجنرال مود، لم يكن أوفر حظاً من صاحبه الألماني، فما هي إلا أشهر قليلة وفارق الحياة داخل هذا القصر بعد إصابته بالكوليرا، وبعد ذلك بأكثر من سنتين تشكلت أول حكومة عراقية واتخذت هذا القصر مقراً لأول وزارة دفاع عراقية بقيادة جعفر باشا العسكري، لكن جعفر ترك القصر بعدما سمع بالأحداث التي جرت فيه خوفاً من أن يكون الثالث.

الطريف عندما جلس الملك فيصل الأول على عرش العراق سنة 1921 ذكروا له قصة هذا القصر، فراقت له نهايات شاغليه، وكان كلما عرض عليه أمر أحد من السياسيين الشباب الطموحين، كان يضحك ويقول: (أعطوه الوزارة الفلانية واجعلوا مقرها ومسكن وزيرها قصر الخضيري، لعله يلتحق بمن سبقه بسرعة) وأطرف من ذلك عندما ذكرت قصة هذا القصر قبل سنوات على صفحتي الخاصة في فيس بوك، وأغلب متابعيها من العراقيين، وصلتني عشرات التعليقات التي تضمنت سؤالاً عن وضع القصر حالياً مع أمنية أن تسكنه الطبقة السياسية في العراق عسى أن يكون مصيرها مصير من شغله سابقاً.

عندما يصل الحال بتعلق آمال الناس على القوى الخارقة للطبيعة، للتخلص من الفساد والظلم، فاعلم أنهم وصلوا إلى مرحلة متقدمة من اليأس والإحباط وعدم الثقة في الآليات القانونية لمواجهة الفاسدين، والتغيير.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية