كثيراً ما وردت آيات من القرآن الكريم تتحدث عن أقوام عصوا الله تعالى، فأخذهم بالريح الصرصر والصواعق والزلازل، وكان الهدف منها هو العظة ورؤية أحوال السابقين ممن كفروا بالله وعصوا أنبياءه وظلموا أنفسهم.

والمعتاد في الطبيعة الإنسانية هي أن تجد في هذه القصص العظة والعبرة، إلا أنها لا تكون بنفس عظم الحدث أثناء وقوعه رأي العين، فكثيراً ما دُمرت مدن وقرى في العصور السابقة دون أن يعلم عنها سكان المناطق الأخرى شيئاً، وكثيراً ما حدثت زلازل وبراكين وأعاصير في زمننا الحالي ورأينا صورها أو مقاطع الفيديو المصورة للحدث، لكن أثرها علينا أقل بكثير من مثيله عند أهل تلك المنطقة التي تعرّضت للكوارث.

هذا الأمر تذكرته قبل أيام عندما برزت في وسائل الإعلام مقاطع فيديو لمدينة أوماها الأمريكية التي تعرضت لإعصار لم يتجاوز زمنه ساعات اليوم الواحد، وقد أظهرت الصور والفيديوهات حجم الدمار الشامل الذي أصاب المدينة ذات الـ380 كيلومتراً مربعاً، إذ لم يُبقِ هذا الإعصار بيتاً إلا وجعله ركاماً، وأعلنت السُّلطات نزوح سكان المدينة منها بسرعة.

وما جذبني للحدث أن تلك المدينة تُعتبر مقاربة لمساحة قطاع غزة الذي تعرّض لإعصار بشري همجي مستمر لأكثر من 6 أشهر، وقد دمّر كل العمارة والحضارة في تلك المساحة المقاربة لأوماها، ومازال يدمّر ويقتل ويخرّب بتشجيع ودعم واسع من أمريكا والغرب، فقطاع غزة تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، لكن الفارق هنا أن سكانه لم يفكروا في النزوح رغم استمرار القصف والقتل والدمار.

أرى أن هناك رسالة واضحة وجلية في إعصار أوماها، قد لا يراها أصحاب الشأن في تلك الدولة، وأستغرب إصرارهم على مواصلة الظلم ومساندة القتل والتدمير بشتى أنواع الدعم، وكأن ما حدث في أوماها هو شأن آخر وقصة مختلفة حدثت في كوكب آخر لكائنات أخرى.

الحمد لله الذي جعلنا نتلو القرآن في الليل والنهار وفي صلواتنا ونقرأ سيرة أقوام سابقين تتكرر في الواقع الحالي لحياة الإنسان عساه أن يتذكر ويتعظ، إلا أن الفارق شاسع وكبير بين من يُدرك قوة الخالق ومن يقول "من أشد منا قوة"، فلقد قالها قوم عاد ولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة، فأرسل عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات ليذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا.. ولعذاب الآخرة أخزى لو كانوا يعلمون.