كبحرينيين، نتألم من كل ما يحدث على أرضنا من جرائم مروعة تروح ضحيتها أنفس بريئة، خاصة إن رحلت تحت جرم مروع لا يكاد العقل يستوعبه أو يتخيل حدوثه.

في مواقفنا تجاه القضايا علينا أن نكون بشراً، نمتلك حس الإنسانية قبل أي شيء آخر، بعيداً عن الكيل بمكيالين أو ممارسة ازدواجية المشاعر أو عيش ظاهرة انفصام في الشخصية بحيث نحزن ونتألم بناءً على سمات وخصائص واسم الشخص ولاعتبارات معينة مثال على ذلك إن كان شخص مدنياً وتعرض لحادث نحزن ونتألم، وإن كان شخصاً يعمل في جهه أمنية لا نعبأ كثيراً أو كأن نهتم بمصاب الشخص بناءً على نوعية مذهبه أو مجال عمله أو غيرها من أمور، كما علينا إلى جانب أن نكون "إنسانيين" في القضايا أن ننتبه إلى أننا مسلمين بالنهاية فمن حق المسلم على أخيه أن يواسيه ويتعاطف معه وأن يعينه على حزنه وآلامه وأن يبتعد عن الشماته والفرح في مصابه "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

قبل أكثر من أسبوع مضى، مرت بنا جريمتان مروعتان في مملكة البحرين، الأولى قتل سيدة بحرينية في سيارتها وأمام ابنها الصغير، والثانية استشهاد رجل أمن أثناء تأديته للواجب في التصدي لعناصر إرهابية هاجمت سجن جو، حيث استقرت رصاصتان في صدره وهو يدافع لآخر لحظة في حياته عن أمن البحرين، الجميع في مملكة البحرين في قضية السيدة البحرينية رحمها الله تعاطف معها ومع ابنها الصغير والجميع استنكر وامتعض والجميع طالب بالقصاص والجميع حزن وتأثر، وهناك من استغل الجريمة للتكسب السياسي والإرهابي وأخذ يتاجر بالقضية من منطلق طائفي وديني وحاول أن يسيسها في محاولة لحشد وسائل الإعلام الخارجية وتشويه سمعة البحرين رغم أن مختلف شرائح البحرين استنكرت الجريمة ومن مختلف الطوائف والمذاهب ورغم أن القضاء البحريني يتابع القضية ونحن نثق في نزاهته وعدالته.

وكان اللافت شن إحدى الصحف الصفراء حملات تسويقية لقضيتها على عدة أيام متتالية بطريقة مريبة والتركيز على المنطقة التي وقعت فيها الجريمة وعنونة الجريمة بها بل صياغة القصة بأسلوب درامي يحاول أن يلامس المشاعر على أوتار تمارس منهجية "الضرب من تحت الحزام وبطريقة غير مباشرة" وتعمد تصوير مشاهد الجريمة والسيناريو الحاصل بحبكة قصصية تزيد من جرعات التأثر والألم والتحامل على ما حدث والاهتمام بأخذ كل صغيرة وكبيرة عن حياتها تخدم سيناريو قصة الجريمة التي اهتمت بفرد الصفحات الكاملة والأولى لها بل حتى طريقة الإخراج الصحافي لم تغفل إدراج صورها وهي طفلة صغيرة والاهتمام بعرض ألبوم صور لها ويومياتها وكل ذلك حق نحترمه من منطلق حرية الرأي والتعبير وحقها كمواطنة رحمها الله وحق ابنها حفظه الله في عرض قصتهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لمَ لم نسمع حساً ولم نرَ عدالة في ميزان التحرير الصحافي والتداول الإعلامي في قضية رجل الأمن الذي استشهد مؤخراً رمياً بالرصاص؟ بل لماذا لم نسمع كل الأصوات التي علت وأيدت القصاص في جريمة السيدة البحرينية لم نسمعها وهي تطالب أيضاً بالقصاص ممن قتلوا رجل الأمن الذي كل ذنبه أنه كان يؤدي واجبه في ردع إرهابيين مجرمين عن الهروب من السجن؟!

منذ أيام أزمة البحرين 2011 شاهدنا جرائم مؤثرة أكثر ولا يمارسها إلا من تجردوا من أبسط مقومات الإنسانية وبات إبليس "بكبره" صاحبهم، وقتلهم رجال الأمن بطريقة وحشية كحرقهم وهم أحياء والدوس عليهم بالسيارات حتى الموت ورميهم بالأسياخ بل إن شقيق رجل الأمن رحمه الله قد تعرض لجريمة مروعة هو الآخر في عام 2011، حين تم سكب البنزين عليه من أعلى أحد المنازل وحرقه في محاولة لقتله بالحرق وهو حي وقد أصيب على إثر ذلك بحروق بليغة بنسبة 80% وبترت أصابع يديه وتعرض لإعاقة في قدمه، ورغم ذلك لم نسمع ولم نقرأ أي كلمة في هذه الصحف الصفراء أو وسائل الإعلام ذات الموازين المختلة والطائفية ولم نشاهد بالأصل ولا "ربع صفحة حتى" تستعرض قصته المؤلمة والجريمة البشعة التي تشابه ما تفعله عصابات "داعش" من حرق الناس وهم أحياء وقتلهم بطرق إجرامية بشعة جداً!

شهداء الواجب لهم أبناء أيضاً، وسيكبرون وقد يمر عليهم يوم يطالعون صور آبائهم والجرائم البشعة التي مورست بحقهم وأدت إلى استشهادهم، فلماذا لم نرَ من هذه الصحف الصفراء ومن يتابعها من متعاطفين المفترض أنهم بشر "ويحسون" تعاطفاً مع أبناء الشهداء، ولماذا لم يسخروا كتاباتهم وجهودهم للدفاع عن قضيتهم والمطالبة بعدالة القصاص؟! أقله للتعبير عن الحزن للطريقة التي استشهدوا بها خاصة الشهيد الأخير شهيد الواجب والوطن عبدالسلام اليافعي وكيف أصبح أطفاله يتامى؟ لماذا لم نطالع في هذه الصحف الصفراء أبناء شهداء الواجب وقد فردت لهم الصفحات للتعبير عن حزنهم بفقدان آبائهم ورواية حكاياتهم وسيرة آبائهم واستعراض صورهم ومواقفهم وحياتهم مع من رحلوا عنهم كما فعلوا مع السيدة البحرينية؟ ألا تعني هذه الازدواجية المريبة في التعامل مع القضايا الإنسانية أنها ضد أخلاقيات مهنة الصحافة وتتنافى مع مقومات الإنسانية ومبادىء الإسلام؟! للعلم شهيد الوطن عبدالسلام اليافعي رحمه الله، ترك طفلاً عمره عامين وطفلة عمرها أربع سنوات، حفظهما الله وحماهما من كل شر.

* إحساس عابر:

قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، الشهيد عبدالسلام اليافعي رحمه الله رحل إلى دار الآخرة بمنزلة الشهداء وبشجاعة رجل عربي شريف دافع لآخر اللحظات من حياته عن أرض البحرين وعروبة البحرين ومن قتلوه تنتظرهم محاكم السماء العادلة.

***

محمد