إثر اندلاع معارك ما أصبح يعرف باسم «الربيع العربي»، تكررت في قواميس السياسة العربية بعض المفردات والتعابير مثل «الشعب يريد ...، والرئيس المخلوع، والفلول ... إلخ». من بينها جميعاً كان هناك تعبير «إهدار أو اقتناص الفرص التاريخية السانحة». أي من تلك التعابير، إنما كانت تستمد صياغتها أو شيوعها من حالات مادية ولدتها تلك المعارك.
ولو توقفنا عند «الفرص التاريخية» التي عرفتها المنطقة العربية، وحاولنا رصد ما ضاع منها، فسوف نكتشف أن العدد ليس بالقليل، وأن نسبة لا يستهان بها من تلك الفرص قد ضاعت، ولم يحسن الاستفادة منها. آخر تلك الفرص، التي يأمل المواطن الخليجي عدم فواتها هي تلك التي أشار لها سمو رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان لدى استقباله وزير الثقافة والإعلام السعودي عبدالعزيز محيي الدين خوجة في 13 نوفمبر 2012)، حين أكد «إن دعوة خادم الحرمين الشريفين عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للاتحاد الخليجي فرصة تاريخية لتجمع خليجي أكثر قوة وتعاون أشد فاعلية، وتعزيزاً للحضور الخليجي المؤثر إقليمياً ودولياً، منوهاً سموه بما حققته السعودية في ظل قيادتها من تطور ومنجزات حضارية وثقافية»، منوهاً إلى أن للمملكة العربية السعودية، ملكاً وشعباً، مكانة كبيرة في قلبي، وفي نفس كل بحريني». وكانت مخاطبة مباشرة لقادة مجلس التعاون في اجتماعهم الذي تحتضنه اليوم البحرين، كي لا يضيعوا تلك الفرصة التاريخية، ويدعوها تمر دون أن يقتنصوها ويحولوا الحلم إلى حقيقة.
والفرص التاريخية، كما نعرف لا تكرر نفسها، وهي كما يقول عنها القول الشعبي، سريعة في حركتها، و«تمر مرور السحاب»، ومن ثم تضيع على من يخفق في إدراكها، والعمل على الاستفادة منها، وتجييرها لتحقيق مشروعه الذي يعمل من أجله، فرداً كان ذلك الشخص، أم قوى معارضة، أو حكومة قائمة.
بعض المراقبين السياسيين، كان يرى أن عام 2009، كان عام فرصة تاريخية أمام الفلسطينيين، كي يوحدوا صفوفهم، ويجمدوا خلافاتهم، عندما أقدمت إسرائيل على شن حربها الهمجية ضد غزة تحت اسم عملية «الرصاص المصبوب»، إذ، كما يقول البعض، لم «يكن عام 2009 مجرد عام آخر في عمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولكنه كان عاماً لا يمكن أن تنساه ذاكرة من عاشوه بسهوله لأنه شهد إهدار الكثير من الفرص من الجانب الفلسطيني والتي لو جرى استغلالها بشكل صحيح لربما تغير وجه الصراع حيث بدا العام بتعاطف عالمي وإقليمي غير مسبوق مع الفلسطينيين خاصة قطاع غزة بسبب العدوان الهمجي الذي كانت تشنه إسرائيل على القطاع والذي أسفر عن استشهاد وإصابة خمسة آلاف شخص معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن وتدمير كافة المباني والمنشآت الحكومية تقريباً واستمر 22 يوماً».
ومن فلسطين، ننتقل إلى اليمن، حيث يعتبر رئيس المنتدى اليمني للتعليم العالي أنور معـزب، في نوفمبر 2012، أن الظروف في اليمن لم تكن مهيأة «أمام اليمنيين ولم تسنح لهم فرصة كالفرصة التاريخية التي يشهدها اليمن اليوم تلك الفرصة التاريخية سوف يكون لها الأثر والبعد الكبيرين في تطوير اليمن ونهضته وسوف تنقل اليمن واليمنيين نقلة نوعية فريدة إلى الأمام. إن تلك الفرصة التي أمام اليمنيين تتمثل في الحوار الوطني الشامل إذ تأتي أهمية هذا الحوار من كونه سوف يجمع الفرقاء السياسيين والمتصارعين منذ زمن بعيد على طاولة واحدة وهو ما لم تشهده اليمن من قبل على الإطلاق كما تأتي أهمية هذا الحوار من أنه سوف يناقش جميع القضايا والمشاكل العالقة منذ زمن وسوف يعمل جاهداً للقضاء على أسبابها وبالتالي حلها حلاً عادلاً جذرياً كما إن مخرجات هذا الحوار هي من سوف تحدد ملامح مستقبل اليمن الجديد ونحن بذلك يمكن أن نقيس اغتنام اليمنيين لهذه الفرصة التاريخية من عدمه من خلال نجاح الحوار الوطني أو فشله».
أما في المغرب، فيرى الكاتب عبد الرحيم العطري في منتصف 2007، أن المغرب السياسي كان حينها «على موعد مع لحظات تاريخية، كانت ستحسم الآن وغداً بشكل أفضل ، لكن سوء الاختيار أو تضارب المصالح و تباينها، أو بشكل أوضح تعارض منطق هذه اللحظات وآفاقها المحتملة مع طموحات مالكي وسائل الإنتاج والإكراه، كل ذلك أتى على آخر ذرات الاصلاح وضيع علينا مزيداً من فرص الانتقال السوي نحو دولة المواطنين لا الرعايا، المنضبطة بامتياز للحق والقانون. على درب السياسة المفضي إلى عوالم الأحزاب والتدبير الحكومي والانتقال الديمقراطي، سنختبر سؤال الفرص الضائعة، بمساءلة بعض التجارب الدالة في تاريخ المغرب السياسي، ومحاورة إمكانات انبنائها وانمحائها في صلب التغيرات التي عصفت بالنسق السياسي المغربي منذ فجر الاستقلال وإلى الآن، فهذه التجارب والتغيرات تؤشر على الارتكان التام لخلفية الانشقاق بدل إمكانية التوحد، وفي ذلك يلوح جانب مهم من العطب الذي ينكشف في كل شيء».
وقبل عشرة أيام، نوه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى أن «أمام الكويت والعراق فرصة تاريخية لنبذ الماضي والمضي قدماً نحو إعلان عهد جديد من التعاون»، مؤكدا «دعم الأمم المتحدة الكامل لتطبيع وتنسيق العلاقات بينهما».
وقبل أيام أيضاً، أشار سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في كلمته التي اختتم بها مؤتمر القمة الأول للتعاون الآسيوي إلى أن «تطوير آلية عملنا المشترك (على المستوى الآسيوي) أصبحت ضرورة ملحة لتواكب تطلعاتنا وتعكس عزمنا على تفعيل إرادتنا في الوصول بعلاقاتنا إلى مستويات سامية وبتعاوننا إلى التكامل».وأن ذلك يفتح «أمامنا اليوم فرصة تاريخية لتحقيق هذا التطوير وتجسيد فرصه من خلال ما سيصل إليه خبراؤنا من تصورات ورؤى لهذه الآلية المرتقبة.إننا عاقدون العزم بإذن الله على مواصلة ومتابعة ما صدر عن لقائنا هذا من أفكارٍ وتوصيات والعمل معا لتطبيقها على أرض الواقع».
عودة مرة أخرى للقمة الخليجية، سنجد أن كل الظروف القائمة تشير إلى أن أمام القادة الخليجيين فرصة تاريخية تفرضها عليهم الأخطار المحدقة بهم من جانب، وتدفع نحو اقتناصها عوامل التجانس الحضارية والثقافية والاقتصادية التي تجمع بينهم، وكل ما يطمح له المواطن الخليجي اليوم أن يقتنص قادته هذه الفرصة بدلاً من إهدارها، فما هو ممكن اليوم، ربما يصبح مستحيلاً في المستقبل، حيث لا ينفع الندم.
نذكر قادتنا أن الحزب الشيوعي الصيني أدرك، في العام 2000، عند انعقاد المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب أن الصين، كانت حينها أمام فرصة تاريخية يجب عليها «الاستفادة القصوى من الفترة الهامة ذات الفرص الاستراتيجية في السنوات العشرين الأولى من القرن الجديد لتسريع البناء الاقتصادي والإصلاح وبناء مجتمع رغيد الحياة». وها هي اليوم بكين تحصد ما زرعته قبل ما يزيد على عقد من الزمان.
فهل نقرأ التجربة الصينية بشكل صحيح، فنقتنص الفرص التاريخية بدلاً من إهدارها؟ وعلى نحو مواز نعيد النظر في سلوكنا بشكل موضوعي، فلا نكرر تضييع فرص كانت ستغير مجرى حياتنا، ونحو الأفضل.