«خلقنا كي نعترض»؛ بالفعل هى السمة الأساسية لغالبية القوى المعارضة فى الدول العربية، الانتقاد والاعتراض الدائم على أي شيء، حتى لو لم يدركوا جيداً ما الشيء الذي اعترضو عليه، ففى تلك الحالات يستوجب من المعارض الاعتراض وعدم الموافقة من باب الظهور ولو في الإعلام وبرامج التلفزيون، فعاشت أغلب برلماناتنا العربية ما بين الموافقة العمياء من المؤيديين للنظام على أي قرار يصدر من الحكومة، حتى ولو كان سيأتي بكوارث على البلاد والعباد، أما الجانب الآخر فكان الاعتراض دون معرفة سبب الاعتراض وعدم تقديم أى حلول بديلة.
هذا وضع الدائرة السياسية في كل بلد عربي تقريباً؛ الانقسام إلى فريقين ليس لمصلحة الوطن إنما الانقسام على الوطن، وإذا كان ذلك المشهد اعتادت عليه أغلب بلادنا وبرلماناتنا، فبعد أحداث الربيع العربي وإسقاط أنظمة في غضون أيام قليلة، يجعل جميع القوى السياسية والحزبية والمفكرين والنخب وكل من يقود تياراً سياسياً أن يفكر كثيراً قبل إعادة تكرار تلك المشاهد البائسة اليائسة التي أحبطت الشعوب كثيراً وكلفته أكثر.
إذا تكلمنا بصراحة؛ فما نحن فيه الآن هو نتيجة لتلك الكارثة، وحالة الفراغ السياسي وعدم تواجد نواب يعبرون عن طموحات الشعوب كما ترتضي طموحاتهم، ولم ينقلوا يوماً صوتهم صوت الواقع صوت الشعوب، واكتفى كل نائب ورئيس حزب بالاعتراض على الحكومة لتمثيل دور البطولة أو التأييد الأعمى لها أملاً في الفوز بقطعة من تقسيم الكعكة، حتى أصبحت شاشات التلفزيون ساحة العمل السياسي والحراك الشبابي والشعبي بدلاً من الشارع نفسه، حتى بات الاهتمام بربطة العنق أهم بكثير من مطالب الجماهير، وبات عدد الأحزاب السياسية أكثر من أندية الكرة، وبات كل زعيم حزب من هؤلاء هو رئيس الحزب وأعضاء هيئته العليا وأمناء المدن، وكذلك جمهوره، فأغلب أحزاب الوطن العربي عبارة عن أحزاب كرتونية لا تمثل إلا أصحابها، وليس لها جذور ممتدة بين الجماهير.
وإذا كان هذا شيء مضحك بعض الشيء، فبالتأكيد هو شيء محزن ومؤسف، فالأوقات القادمة تتطلب منا جميعاً، سواء من كان في موقع الحكم أوالمسؤولية أو من على رأس السلطة أو القوى السياسية والحزبية المعارضة، إنكار الذات والتفاني والعمل من أجل خدمة ومصلحة المواطن البسيط التي أصبحت هموم الحياة أثقل عليه من الجبال، والتكاتف والتوحد من أجل مصلحة الوطن وحماية استقراره الداخلي ومواجهة أي تهديد من الخارج أياً كان، فالشعوب منحت لهؤلاء سواء من أصبح في موقع السلطة ودائرة الحكم أو من يعمل بالمعسكر الآخر بجانب صفوف المعارضة، ثقة كبيرة وآمالاً ضخمة في القدرة على التغيير، ووضع قدم الشعوب على أول سلالم الديمقراطية الحقيقية، فهل سيستطيع كل فرد منا في التقدم بأبناء وطنه وأهله من أجل السير في ذلك الطريق الطويل، وبدأ تعلم أسس ومبادئ ثقافة الدول المتحضرة المتقدمة الحديثة كي نعيش في زمننا في القرن الواحد والعشرين وليس فى العصور الوسطى.
فالمشهد الحالي يتطالب رجال في جميع المناصب والهيئات بحجم الدول، ومعارضة حقيقية وليست كرتونية تساعد بشكل فعال على التقدم والنهوض وتقديم الحلول البديلة والمشروعات التي تثري المجتمع، ومراقبة أداء الحكومة بشفافية وحزم، وليس اكتفاء المعارضة بالظهور على الساحة فقط والانحصار في مشهد التمثيل المشرف، وكذلك كي لا تقف السلطة عند حد معين من الطموح.
فهل يأتي يوم ونجد الحزب الحاكم يعمل على تحقيق طموحات المواطن، ويعيش بين واقع الشعوب، ويعمل كلا الطرفين من في الحكم ومن في المعارضة من أجل مصلحة الوطن فقط بإنكار الذات والتفاني، أعتقد أنها المعادلة الحزبية الأصعب الآن، ولكن بعد مرور كل تلك مراحل التغيير الجذري التي مرت بها المنطقة آن الأوان كي يتحقق ذلك