تكللت القمة العربية بنجاح باهر ومميز بكل تفاصيلها وكل ما جاء فيها شكلاً ومضموناً، حيث كان هناك إيمان قوي لدى كل من شارك في هذه القمة بنجاحها الذي شكل إنجازاً عربياً بامتياز لأهميتها الاستثنائية وانعقادها النوعي في المكان والتوقيت والزمان.
حيث هناك عدد من الدلالات التي أكدت على هذا النجاح لهذه القمة العربية التي انعقدت الأسبوع الماضي، ومنها: انعقادها في يوم احتفل فيه العالم باليوم الدولي للعيش معاً بسلام الموافق 16 مايو، ما يؤكد أهمية هذا المضمون لمملكة البحرين وقيادتها الحكيمة فكانت رسالتها للعالم باحتفالها بهذا المضمون بطريقتها الخاصة من منطلق رسالتها الدائمة وعنوان استراتجياتها الوطنية والدولية والتي أكدت عليها من خلال إعلانها مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي منعكساً ذلك بشكل مباشر وصريح في أعمال القمة العربية محققة النجاح، وغيرها من دلالات تمثلت في اختيار مملكة البحرين عاصمة للإعلام العربي 2024 والذي ترجم بشكل متميز وباهر في أعمال القمة العربية، حيث كانت هناك التجهيزات الفنية والتقنية واللوجستية التي يسرت مختلف أعمال الإعلاميين ومتابعاتهم أعمال القمة العربية بيسر وسهولة، إضافة إلى ما تم مسبقاً من حركة دبلوماسية متميزة نشطة جاءت بتوجيهات القيادة الحكيمة الرصينة للتحضير لأعمال القمة العربية حيث استطاع وزير الخارجية بزيارة 17 دولة عربية في أقل من شهر حشد أكبر عدد للمشاركة في هذه القمة، ما حقق مشاركة دولية متميزة تفوق أي مشاركة دولية في قمم سابقة، وهذا ما أشاد به الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط خلال المؤتمر الصحفي الذي انعقد بعد انتهاء أعمال القمة العربية قائلاً: "إن الحضور الذي شهدته القمة العربية الـ33 كبير جداً ولم أشهد في أي قمة شاركت فيها مسبقاً هذا العدد من الحضور حيث كان هناك 21 وزيراً من أصل 22 دولة، ولم يحدث هذا من قبل فأقصى ما وصلنا إليه في القمم السابقة لا يزيد عن 18 مشاركة خلال فترة عهدي، لذا فإن هذه المشاركة تدل على مدى احترام وتقدير الأمة العربية للشقيقة مملكة البحرين ولجلالة ملك مملكة البحرين حمد بن عيسى آل خليفة المعظم شخصياً الذي أدار هذه القمة بحكمة وحنكة رصينة انتهت بدون أي خلافات حيث تمت بسلاسة شديدة اجتمع فيها القادة بصورة محددة على القضية الفلسطينة"، إن هذا القول للأمين العام يجعلنا نؤكد أن سياسة جلالة الملك المعظم الإنسانية المتقنة المدروسة العظيمة وتحركاته الرصينة الهادئة التي تقرأ المستقبل وأبعاده لوضع ما هو مطلوب وما هو مناسب للمكان والزمان هي جوهر نجاح القمة.
وما يضيف على ذلك ويترجم هذا القول وما جاء بين السطور مدى ثقة أصحاب الجلالة والسمو قادة الدول العربية وحرصهم على أن تكون القمة العربية في مملكة البحرين قمة تشهد نقلة نوعية في العمل العربي المشترك لمواجهة كافة التحديات والأزمات الإقليمية والدولية الراهنة والمبني على أن البحرين أصبحت اليوم مركزاً دولياً لبث مفهوم الاستراتيجية الفكرية للاستقرار الأمني والسلمي، وهذا ما انعكس جلياً على الشراكات والتحالفات الإستراتجية العربية والدولية مع الدول الصديقة والشقيقة والحليفة بشكل مستقر تحقيقاً للمصالح المشتركة وعلى أمن واستقرار العالم، وذلك من منطلق فكر مدرك لجلالة الملك المعظم لمدى أهمية تنمية هذه الشراكات والتحالفات العربية والإقليمية.
ومن دلالات نجاح القمة أيضاً في مملكة البحرين انعقادها في نفس توقيت مرور البحرين بالاحتفال باليوبيل الفضي لجلالة الملك المعظم هذا العام حيث تحقق فيه الكثير من الإنجازات لمملكة البحرين على المستوسسن الدولي والوطني على مدى 25 عاماً ومن أهمها اهتمام جلالته بحقوق الإنسان والعمل بها في كل المعاملات الإنسانية للمواطن والفرد في المجتمع والذي انعكس بشكل صريح على ما جاء في مضامين القمة العربية التي خلصت بخمس من المبادرات، ومنها مبادرتان في الجانب السياسي تمثلت في إصدار دعوة جماعية إلى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين سبيلاً لتحقيق السلام العادل الشامل، والمبادرة الثانية في هذا المجال توجيه وزراء خارجية الدول العربية بالتعهد الفوري والتواصل مع وزراء خارجية دول العالم لحثهم على الاعتراف السريع بدولة فلسسطين وتحديد كيفية هذا التحرك بالتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة كدولة مستقلة وثلاث مبادرات أخرى تضمنت شقاً عملياتياً في الجانب التعليمي والصحي والتكنولوجي وهي: توفير الخدمات التعليمية، وتحسين الرعاية الصحية للمتأثرين من الصراعات والنزاعات بالمنطقة، وتطوير صناعة الدواء واللقاحات في الدول العربية، وتطوير التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والابتكار والتحول الرقمي من أجل توفير بيئة ملائمة لتطوير كافة المنتجات والخدمات المالية المبتكرة حيث تعهدت مملكة البحرين بجدية، بالقيام بهذه المبادرات وفق الاتفاق العربي الذي صرح به الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط خلال المؤتمر الصحفي قائلاً: "إن هذه القمة أخذت قراراً مهماً جداً وهو تكليف كل من يتقدم بمبادرة أثناء رئاسته للقمة أن يشرف على تنفيذ هذه المبادرة ويبذل الجهد لتحقيق تنفيذها وعدم تركها في يد المجتمع الدولي أو في يد الجامعة العربية بدون متابعة نشطة، حيث إن هذه الفكرة غاية في الأهمية؛ لأنها تبقي على إحياء كل هذه المبادرات، مشيداً بما جاء من تحركات إيجابية مسبقة لتحقيق المبادرات السابقة التي قامت بها رئاسة القمة الـ32".
ومن الدلالات المتصدرة أيضاً ما تضمنه البيان الختامي للقمة العربية الذي أجمع على ضرورة وحدة الصف والعمل العربي المشترك لمواجهة التحديات، ومن أهمها القضية الفلسطينية التي تصدرت قائمة بنود البيان، وصدر لها بيان خاص منفصل ومفصل، حيث هو المطلب الأساسي للشعوب العربية من هذه القمة والتي تعكس نبض الشارع الشعبوي حيث هو المبدأ الجوهري الذي تعمل عليه مملكة البحرين وقيادتها الحكيمة لمواجهة مختلف التحديات للسير قدماً نحو التطوير والنماء.
ومن مجمل الدلالات كانت القمة العربية المتميزة بسلاستها وبساطتها وهدوئها وقيمتها في المضمون الذي تناولته بعدد كبير من القضايا الاقتصادية والسياسية الأكبر التي شغلت الهم الأوسع في مباحثات القمة والتي حكى عنها الإعلام العربي بكل فخر وامتياز فكانت القمة الاعتيادية بأهمية استثنائية عكست إحساس القادة والحكومات بضرورة وحدة الصف العربي في حل القضايا العربية دون التدخلات الخارجية.
إعلامية وباحثة أكاديمية