بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في تونس، وما أسفرت عنه من فوز حركة «نداء تونس» بقيادة حامل لواء الميراث البورقيبي الباجي قائد السبسي، وتلجيم حركة النهضة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة راشد الغنوشي، باتت تونس الآن تأخذ مسار الخروج من النفق المظلم، ولكن هذا لا يعني أن القادم سيكون سهلاً، فالانتخابات لم تكن آخر المعارك، فلا تزال الطريق طويلة، ولكن تونس الآن تضع قدمها على أول الطريق الصحيح. وعلى كل من حركة «نداء تونس» و»حزب الاتحاد الوطنى الحر» التحالف، إن لم يكن الاندماج، ليس من أجل تشكيل الحكومة فقط ولكن الاثنين معاً يمثلون كياناً سياسياً قوياً فكرياً واقتصادياً، فرجل الأعمال سليم الرياحي، ابن الاثنين والأربعون عاماً رئيس النادي الأفريقي التونسى وصاحب المال الوفير ورئيس الاتحاد الوطني الحر الذى تأسس عام 2011م، أي بعد سقوط نظام بن علي، يستطيع أن يمثل الذراع الاقتصادي لذلك الكيان وما يتطلبه من احتياجات مادية وموارد اقتصادية.
كما أن لحركة نداء تونس وزعيمها الباجي قائد السبسي، صاحب الفكر والرمز، وحامل الميراث البورقيبي، صاحب الثمانية والثمانين عاماً من العطاء لتونس وشعبها من خلال تقلده العديد من المناصب الهامة والحيوية في الدولة، وأمين حركة نداء تونس كان وسيظل هو العمود الأيدولوجي والفكري الذي يعبر بكل ما تحمل الكلمة من معنى عن تونس الرقي والتحضر التي نعرفها منذ سنوات طويلة.
الجميع في تونس تعلم من أخطاء من حولهم، بمن فيهم الإخوان المسلمون، والذين استوعبوا الدرس متأخراً جداً وبعد فوات الأوان، وكتبوا خسارتهم في الانتخابات من خارج حدود تونس وقبل قدوم الانتخابات نفسها، وهناك من اتعظ من الحاضر وما حدث في دول الجوار، وعلى رأسهم الجيش والشرطة التونسية، وأدراك أهمية تفاعلهم مع المواطن في مثل تلك المناسبات الهامة في مسار الدول والشعوب. كما يرجح أن تقوم حركة نداء تونس بمشاركة حركة النهضة في تشكيل الحكومة الجديدة، وإعطائها حقائب وزارية حتى لا يتم التنكيل بها وتتهم بالإقصاء، كما فعلت حركة النهضة سابقاً، وأيضاً لامتصاص الغضب النفسي والهجوم المسبق الذي يعد من الآن من قبل حركة النهضة ضد نداء تونس.
وإذا كانت مرحلة الصراعات الحزبية الداخلية انتهت؛ فالقادم هي مرحلة الصراعات الخارجية، أو بالأحرى الدخول في الحرب الباردة مع دويلات بالأقليم؛ بدأت تحترق كل كروتها منذ 3 يوليو 2013م بعد عزل محمد مرسي والإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
كما أن الوضع الأمني على الحدود التونسية يمثل صداعاً مزمناً؛ فالحدود مع ليبيا مشتعلة دائماً وتنذر كل يوم بخطر جديد على أمن واستقرار البلاد، كحال الحدود مع مصر والجزائر أيضاً، وجبل الشعانبي مهيأ تماماً أن يتولى مهمة جبل الحلال في سيناء المصرية، وأن يعيد تكرار المجازر الدموية التى ارتكبتها العناصر الإرهابية المتمركزة بجبال الشعانبي ضد رجال الجيش التونسي، كما لا ننسى أنه يوجد بداخل تونس مئة وخمسون جمعية إسلامية مدعومة من الخارج، ويتراوح نشاط تلك الجمعيات ما بين تجنيد الشباب للانضمام لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا «داعش»، وما بين نشر أفكار العصور الوسطى بالبلاد، بداية بأفكار حسن البنا مؤسس جماعة الأخوان المسلمين، ثم أفكار صاحب أكبر مدارس التطرف سيد قطب، وأخيراً وليس آخراً عمالقة تنظيم القاعدة أمثال رائد الجهاد الأفغاني عبدالله عزام وزعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري وغيرهم من عقليات العصور الوسطى التي لا تختلف عنها كثيرا عقلية قيادات أخوان تونس.
فقد شبه زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي خسارته بالانتخابات البرلمانية بصلح الحديبية الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خطابه ثاني يوم نتيجة الانتخابات الذى قال فيه: «إن ما حدث في تونس هو فتح، وحق لكم يا شباب الإسلام وفتيات الإسلام أن تحتفلوا بهذا الفتح، تونس اليوم رايتها عالية في العالم، فتونس الشجرة الوحيدة القائمة في غابة متكسرة في العالم العربي، العالم العربي كله يتمنى أن يكون مثل تونس».
حقيقة الأمر لست مستغرباً من تصريحات وردود فعل راشد الغنوشي مطلقاً، ولن أكون مصدوماً فيما سيفعله غداً هو وأتباعه، فمن يعلم تاريخ راشد الخريجي، الشهير بالغنوشي، جيداً وقت أن برز اسمه داخل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، بداية باختياره كأحد ممثلي وفد إخوان تونس لمقابلة الخميني بباريس قبل اندلاع الثورة الإسلامية في إيران بفترة قصيرة، وبعد الإشادة به من قبل يوسف ندا، مفوض العلاقات السياسية الدولية لجماعة الإخوان وحلقة الوصل الحقيقية بين نظام الخميني وجماعة الإخوان، وهي العلاقة العميقة التي كانت تدار من مدينة لوجانو السويسرية بتلك الحقبة، حيث يقيم يوسف ندا عبر التنسيق مع ضابط مخابرات إيراني أرسلته طهران إلى لوجانو، مروراً بكيفية حصوله على الجنسية السودانية مطلع التسعينات قبل دخوله الأراضي الإنجليزية بجواز سفر سوداني دبلوماسي، ثم الاستقرار بضاحية اكتون، حيث الأراضي المقدسة لجماعة الإخوان المسلمين في لندن، فهي مكان مولد الجماعة، وصولاً لتحقيقات الجنرال أحمد شابير، مدير المخابرات العسكرية التونسية الأسبق، والتي أكدت دخول الغنوشي لتونس (التى منع من دخول أراضيها منذ أوآخر الثمانينات) يوم 9 يناير 2013م، أي قبل اندلاع شرارات الربيع العربي بتونس، لن يتعجب من طريقة تفكير وعقلية ذلك الغنوشي وردود فعله.