أجل لماذا نحن في البحرين غير وغير، وليت هذا الوصف أو النعت يعني الأفضل والأصح، ولكنه يعني العكس تماماً، لنأخذ موضوع أو مسلسل أو ملهاة الدعم على سبيل المثال، منذ متى والسجال حوله قائم بين الجميع، الشعب ومجلس النواب والحكومة، أربع سنوات والأسطوانة دائرة، والمطربون والكورس يغنون ويعيدون ويرددون: ضرورة توجيه الدعم لمستحقيه من المواطنين، وفي بعض المرات يشذون عن اللحن ويقولون: الدعم للمواطنين فقط، وبما يعني أنه لجميع المواطنين وليس للمستحقين منهم فقط.
ما علينا، ليست هذه المشكلة، المشكلة في تحديد حجم الدعم الذي سيقدم للمستحقين وكيف سيتم توصيله إليهم، الجواب على هذين السؤالين لم نحصل عليه حتى وبعد مضي أربع سنوات وصدور أطنان من التصريحات، وعقد مئات الاجتماعات من قبل مجلس الوزراء واللجان الوزارية، ومئات أخرى عقدتها لجان مجلس النواب، وأخرى بينها وبين اللجان الحكومية، والنتيجة حتى مساء الأربعاء الماضي: إن الوفد الحكومي الذي يتفاوض مع الوفد النيابي ويعرض عليه المقترحات، هذا الوفد لا يدري حتى الآن متى سيتم رفع الدعم ولا ما هو التعويض الذي سيقدم للمستحقين ولا متى سيقدم هذا التعويض.
هناك دول كثيرة لها تجارب مع إلغاء أو توجيه الدعم آخرها الإمارات وقبلها مصر، وهناك منظمات دولية ذات شأن في هذا المجال مثل البنك الدولي الذي درس وضع البحرين وقدم اقتراحاته التي تقوم على إلغاء الدعم بالتدريج أو مرة واحدة ولكن بالتزامن مع تقديم التعويض النقدي ليس على كل مادة على حدة كأن ندفع خمسة دنانير على اللحوم و25 ديناراً على البنزين ودينارين على الدجاج وثلاثة على الديزل.. وإنما يكون التعويض النقدي كحزمة واحدة يدخل في دخل أو راتب الفرد والأسرة المستحقة، أما نحن (الغير والغير) فلازالت حكومتنا ومجلس نوابنا يتفاوضان على مبلغ تعويض كل مادة على حدة وعلى الأخذ بالبطاقة التموينية التي طبقناها أيام الحرب العالمية الثانية، وهي متاهة مقصودة الهدف منها عدم القيام بوضع حد أدنى للأجور وعدم الاعتراف بأن هناك ميزانية أسرة.
فلماذا لا نصبح مثل الدول الأخرى التي تكبرنا مساحة وعدداً، ونترك عنا الاستماع إلى أغنية البحرين غير وغير، ونتواضع ونصبح كالآخرين بل كالبحرين نفسها في الثمانينات عندما وضعت أول وآخر دراسة ميزانية الأسرة، هذه الميزانية التي تأخذ معدل عدد أفرادها بخمسة أفراد مثلاً وتبين من خلال معلومات الجهاز المركزي للمعلومات ووزارات الطاقة والصناعة والتجارة والتنمية الاجتماعية وغيرها.. معدل استهلاك الأسرة من المشتقات النفطية والغاز، المواد الغذائية، السكن، التعليم، الصحة، الطاقة، الكماليات، المواصلات، الرسوم والضرائب، وتضيف على ذلك معدل التضخم، ثم تجمع كل هذه الاحتياجات لتصل إلى مجموع دخل الأسرة الشهري، أو متوسط ميزانيتها وتستخرج نسب ونصيب كل فرع من المصروفات المذكورة.
فإذا جاء مجموع ميزانية الأسرة مثلاً 850 ديناراً فعلى مجلس النواب والحكومة أن يقررا زيادة مداخيل الأسر التي يعمل أصحابها أو تعتمد على الضمان الاجتماعي بحيث يصل دخلها إلى ذلك المستوى، وهو ما يسمى في الكثير من الدول بالحد الأدنى للأجور، وهو المستوى الذي يوفر للأسرة دخلاً يغنيها عن الدعم والمساعدة والعلاوة من أي نوع وكذلك عن سماع أغنية غير وغير وترداد مقطع إعادة تقديم الدعم لمستحقيه!