يفتخر السويديون بأنهم مخترعو السحاب وحزام الأمان ونظام الـGPS وجهاز رسم القلب وغيرها من الاختراعات التي لاتزال فارقة في حياتنا اليومية، وما أن تضع قدميك في ستوكهولم حتى يصحبوك إلى الأكاديمية السويدية المانحة لجائزة نوبل ومتحفها الجميل في العاصمة السويدية.
غير أنهم لا يلتفتون إلى الأجمل فيهم، فيزدادون بذلك جمالاً، إذ يتصرّفون على سجيتهم تصرفات تبدو لمكتشفها ساحرة. إليكم بعض مشاهد الجمال التي وجدتها هناك..
- يمشون فوق القصائد
نزلنا أنا وشاعرات من البحرين والسعودية أول أيام الزيارة في سكن للكتاب تابع لاتحاد الكتاب السويدي، وهو سكن أنيق ونظيف مخصص لاستضافة الكتاب، «كلّ الكتاب وليس نجومهم» وذلك لأجل إنجاز مشاريع ثقافية فردية وجماعية. يقع السكن في أحد أهم شوارع العاصمة، وحين تمشي فيه تجد عبارات محفورة في الإسفلت، مغطاة بمادة معدنية لامعة، وعندما تسأل عن مضمونها، يخبرونك بأنها قصائد لشاعر سويدي شهير..
فكرت أن هذا غير مكلف، وسهل المحاكاة لو شئنا، نحن الذين علقنا الشعر على أستار الكعبة، لكن هل تريد أمة أن تخلد شعراءها؟
- يدفعون مالاً لسماع الشعر
في غوثنبرغ، جلستُ رفقة شاعرات من السعودية والبحرين نقرأ قصائدنا العربية، التي تولت إدارة المهرجان ترجمتها إلى السويدية بمشاركة شاعرات سويديات وقراءتها بصحبتنا للجمهور، وعدا كوني قد تلقيت مقابلاً مادياً نظير قراءتي، وقد كان هذا غير متوقع بالنسبة لي، إذ جرت العادة أن يعتبر الكاتب العربي استضافته معروفاً يسدى إليه، فيما تعتبر الجهات المستضيفة أنها تقدّم للكاتب منة لابد أن يتلقاها شاكراً مهللاً أنه منح منبراً، بل إننا في منطقتنا ابتدعنا أمراً، هو الأسوأ على الإطلاق، أن نعتبر جهود الفنان المحلي جهوداً مجانية، يقدمها من أجل الوطن، فيما نفرد دنانيرنا ودولاراتنا لأجل الضيف الأجنبي، وإذا صدقنا في قولنا إن الفن لا يقدر ولا يشترى بمال، فإن هذا المال ليس سوى دعم يقدم للفنان كي يواصل عمله وإبداعه، والأولى بالدعم هنا هو الفنان المحلي وليس الأجنبي، أتحدث عنها عن أولوية الدعم وليس عن الجدارة أو الأفضلية. ما علينا.
فاجأني إذ أنهيت واحدة من أمسياتي في غوثنبرغ أني وجدت عند البوابة تذاكر مدفوعة، وفهمت من فوري أن الجمهور الذي جلس قبالتي يستمع إلى القصائد، تكبد فوق المسافة، وفوق برودة الطقس الشديدة، دفع المال لسماع القصائد. وددت حينها لو أني أعود فأصافحهم حاضراً حاضرة، أمتنّ لتقديرهم هذا، الذي لم أرَ سابقاً له في تجاربي المتواضعة.
- يصنعون كتابهم في غرف من دون مرايا
في غرفة من دون مرايا، عدا واحدة صغيرة لا تستطيع عبرها رؤية أكثر من وجهك، وفي غرف بأسرة ومكاتب وإضاءة خاصة بالقراءة، ونوافذ تطل على السهول ضمن مجمعات سكنية نائية، يعيش طلاب مدرسة الكتاب، وهي مدرسة معنية بصناعة الكتاب، لا تعادل كليات الآداب لدينا، إنها تركز مباشرة على صناعة الكاتب، وهي إلى جوار الأبنية التعليمية، اختارت سكناً منعزلاً وسط الطبيعة الخلابة لمدينة بيسكوبس آرنو، حيث البحيرات والأشجار والمساحات الخضراء، بحيث يحظى الكاتب بكل ما يحتاج من دعم علمي، سكن مناسب، وعزلة وطبيعة تدفعه للعمل، لا أحتاج أن أخبركم كم وددت لو أمضي هناك عاماً كاملاً أنجز فيه، كل ما وددت إنجازه، وحال دونه فوضى الحياة ومتطلبات المعيشة والعمل، وكل اليوميات عديمة الجدوى.
فكرت وهذه لن أوارب في طرحها ولن ألمح، ما الذي يمنعنا في الخليج العربي من أن تكون لدينا أكاديميات من هذا النوع؟ تختار لها مكاناً معزولاً وهادئاً في بلد خليجي، وتقدم منحاً وورشاً للكتابة للكتاب الشباب، ومنحاً للعزلة للكتاب المحترفين، لا أعتقد بأننا ينقصنا هذا، لا في مكان ولا مال ولا تنسيق. نحتاج لقرار وحسب.
- التنوّع والتعايش اللامتحفيّ
المتابع لصحفنا وخطابنا الرسمي، سيعجز عن إحصاء عدد المرات التي ترد فيها كلمات من قبيل تعايش وتنوع، والمتابع لسلوكنا الشعبي سيعجز عن إحصاء ممارساتنا العنصرية اليومية، التي نناقض فيها أنفسنا بوعي أو من دون وعي.
لسنا أقل إنسانية من غيرنا، هناك فقط ثمة قانون واضح ورادع ضد أي فعل/ كلمة تشي بالعنصرية تجاه عرق، لون، دين، جنس، وهذا القانون لا يستخدم للدعاية أو العرض المتحفيّ، ولكن للتطبيق الفعلي.