لابد من ترشيد النفقات، وربما لابد من التقشف، ولكن لابد أن يكون الترشيد على جميع مؤسسات الدولة، وشركاتها، ولابد من عدم التغاضي عن الهدر المالي في بعض الشركات الوطنية التي من المفروض أن تكون إيراداتها دعماً لتجاوز العجز في ميزانية الدولة، لأن ذلك التغاضي أمر غير محمود، حين تعد تلك الشركات عبئاً على ميزانية الدولة في أيام الرخاء، فكيف بأيام الشدة.
نقرأ في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية سنوياً عن مدى الهدر المالي في بعض الشركات الوطنية، ولذلك نأمل أن يكون هناك تحرك من قبل الجهات المسؤولة لوقف هذا الهدر الجنوني، ولابد أن تكون هناك محاسبة على ما جاء في تلك التقارير.
ومثال على هذا الهدر ما ذكره تقرير الرقابة لسنة 2014 عن إحدى الشركات الكبرى، وذلك عندما قامت إدارة هذه الشركة بترقية أكثر من 130 موظفاً في الفترة ما بين يناير حتى أغسطس 2014، أي بمعدل تقريباً 17 ترقية شهرياً، وذلك خلافاً لقرار مجلس الإدارة الذي يقضي بوقف جميع الترقيات حتى إشعار آخر، ناهيك عن الترقيات في 2015، إذاً المسؤولين في هذه الشركة لا يلتفتون حتى إلى قرارات مجلس الإدارة، إذاً فمن هو صاحب القرار فيها، وليست الترقية استثنائية لشخص أو شخصين، بل 130 ترقية في فترة زمنية محددة، وليس لرواتب تتراوح بين الـ 400 و 500 دينار، بل رواتب تفوق بعضها 7000 دينار، فرواتب بعض المسؤولين في هذه الشركة وما أكثرهم تبلغ أقلها 3000 دينار فما فوق، في شركة تدعمها الدولة من الميزانية العامة سنوياً، كما أفاد التقرير قيام الإدارة التنفيذية ببعض عمليات التوظيف الجديدة خلال عامي 2013 و 2014، وناهيك عن 2015، دون اعتماد اللجنة التنفيذية لإعادة الهيكلة لقرارات التوظيف، كاشفاً هذا التقرير عن إعادة تعيين بعض الموظفين في الشركة ممن أنهيت خدماتهم منها قبل أقل من عام، ونزيدكم خبراً، بأنهم عادوا بترقيات ومازالوا يترقون إلى مناصب عليا في الشركة، فمن هو المسؤول عن هذا الهدر وعن هذه التجاوزات؟ هل هي الموارد البشرية التي هي سبب العلة الرئيسة، ولا نخلي مسؤولية كبار المسؤولين القائمين على هذه الشركة، والسؤال الأهم هل يصل ترشيد النفقات في هذه الشركة وغيرها من الشركات الوطنية؟ أو ستظل الرواتب تفوق رواتب الوزراء، غير المزايا من خدمات طبية وتأمين صحي وغيرها من العلاوات والمزايا!
الهدر لم يتوقف عند هذا الحد من الهدر المالي والتجاوزات الإدارية البليغة، بل «البلوى»، في برامج التقاعد المبكر الاختياري الذي طرحته إحدى الشركات، والذي يسمح لجميع العاملين من المواطنين والخليجيين للتقديم على هذا البرنامج، والذي يشمل مكافأة التقاعد المبكر الممنوحة للموظف، إضافة إلى تكاليف التوظيف الجديد، وهناك من الموظفين من كانوا على وشك بلوغ سن التقاعد واستفادوا من برنامج التقاعد المبكر الاختياري، حيث عدلت الشركة مكافأة التقاعد، إضافة إلى المكافأة التشجيعية، مما يعد نوعاً من الممارسات وتجاوز في برنامج التقاعد الاختياري الذي القصد منه تقليل التكاليف، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بتجميد التوظيف في الشركة، ألا أن ما يحصل هو أنه يتم ترقية موظفين من الشركة على وظائف من خرج على التقاعد الاختياري، أو تتم عملية توظيف جديدة من خارج الشركة، فبالله عليكم هل هذا يعقل أن يحدث مثل هذا التلاعب؟ ومن هو المسؤول؟ وأين المحاسبة؟ طبعاً، نأمل من أعضاء مجلس النواب أن يقوموا بتلك المحاسبة، رغم أن الغبار تراكم على هذه التقارير المركونة في أدراجهم كحالها كل سنة، لكن بيت القصيد هل سيكون لهذه الشركة وغيرها نصيب من ترشيد النفقات؟ أو أن القلم عنها مرفوع وكأنها شركة خارج نطاق ترشيد النفقات حتى لو وصل العجز في ميزانية الدولة عشرات المليارات!!