لابد أن تكون للدولة دورها الفاعل والرقابي على مؤسسات المجتمع المدني الدينية والسياسية والخيرية، حتى لا يفلت زمام الأمور.
أن تقوم مؤسسات الدولة بحماية المجتمع فهذا أمر مطلوب، لكنه بالطبع أمر قد لا يكون غير مرغوب فيه بالنسبة للذين يريدون أن يفصلوا الدولة حسبما تقتضيه مصالحهم السياسية، فتسخر مؤسساتها لخدمة أهدافهم خاصة الاقتصادية، مثلما تم تسخير بعض المؤسسات والشركات لتكون مورد تمويل لدعم أتباع البعض في التعليم والتدريب ودعم المؤسسات التجارية، رغم الضرر الاقتصادي والسياسي الذي قد يمس الدولة، وخدمة أطماعهم السياسية لتسهيل وصولهم لسدة الحكم، ولا يكون ذلك إلا من خلال تجريد مؤسسات الدولة وشركاتها الوطنية من قدرتها على اتخاذ القرارات، وما اعتراض البعض وامتعاضه من قرار وزارة العدل بوجوب الحصول على الترخيص المسبق لجمع الأموال، ومتابعة كافة مؤسسات التعليم الديني في البحرين للتأكد من خلو مناهجها من أي أطروحات تحرض على العنف والكراهية، إلا صورة من صور السعي لتجريد مؤسسات الدولة من دورها، ولكن هذا لا يمكن حصوله في مملكة البحرين العصية على إيران وأذنابها، دولة استطاعت أن تتحدى أكبر مؤامرة انقلابية، وقلبت الموازين، حتى أصبحت الآن تشارك في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
إن الاعتراض على هذا القرار لا ينبع إلا ممن يريدون للدولة أن تكون مجرد «سامان ديقة»، مثلها مثل ما حصل في لبنان، عندما جردوا الدولة من شخصيتها، وعطلوا مؤسساتها وبعدها سيطر «حزب الله» على الحكومة، وسيرها لخدمة مشروع التمدد الإيراني، وهو الشيء نفسه الذي يتمناه أتباع إيران في الدول الخليجية ومنها البحرين، وهاهي ممارساتهم وبياناتهم تشهد بذلك إلى سعيهم لإقامة حكومة تتبع طهران، وذلك حين قالوا إن الدين وأحكامه يجب أن يسلم إلى علماء الدين وأن يكون هناك اعتراف بحق إدارة الشأن الديني والرقابة على تطبيق الأحكام المتصلة، والسياسة القائمة عليه، أي أن تكون البحرين تحت هيمنة رجال الدين بدءاً من أعلى مؤسسات الدولة حتى أدنى خصوصيات الفرد فيها.
لقد شجعت الدولة المواطنين على العمل الخيري وفتح باب التبرعات حين تكون هناك حاجة لمساعدة دولة عربية أو إسلامية منكوبة في حرب أو حدوث زلازل وفيضانات، كما تسهل عملية نقل المساعدات براً وبحراً وجواً، فهذا هو العمل الخيري بعينه، والذي تقوم به بعض الجمعيات الخيرية الدينية المعروفة بمشاريعها داخل البحرين وخارجها، أما أن تكون هناك مؤسسات مدنية وجمعيات دينية خيرية تتخذ أسماء طيبة وجميلة تضع لها صناديق تحصيل تبرعات وتنتشر بصورة كبيرة في المحلات والمجمعات، أو استلام التبرعات مباشرة دون أن تكون على صرف هذه الأموال رقابة ولا تدقيق، فإن ذلك باب من أبواب الاستغلال غير الشرعي الذي لم ينص عليه كتاب الله وسنته، وها نحن نرى كيف كانت تشرف الدولة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى عهد الصحابة على صرف الأموال التي تحصل من الزكاة والصدقات وغنائم الحرب التي حصرتها في مؤسسة «بيت مال المسلمين»، التي لا يصرف منها درهم واحد إلا بموافقة الخليفة آنذاك.
ثم أن متابعة مؤسسات التعليم الديني ومراقبة مناهجها ودوراتها ومحاضراتها، هي ضرورة تقتضيها مصلحة المسلمين، وذلك لما نتج عن هذه المؤسسات من مناهج ساعدت على نشر الفكر الإرهابي الذي استحل تدمير الدولة وسفك الدماء، بعدما تغذى الأفراد فيه بالكراهية والحقد للدولة والمجتمع، وما المؤامرة الانقلابية الفاشلة في البحرين إلا ثمرة من ثمرات هذه المناهج الطائفية التي دأبت على زرع روح الكراهية في صدور المواطنين باحتضانهم في هذه المؤسسات من طفولتهم.
قرار مبارك نتمنى فيه أن تخرس تلك الأصوات التي تتذرع بالدين كوسيلة لتحقيق أهدافها وطموحاتها السياسية، وأن ينتهي تحصيل الأموال حتى تكون هذه الأموال تحت المراقبة والمتابعة حتى لا تصل إلى يد الإرهابيين، أو تدعم الحركات الإرهابية في الدول الخليجية والعربية.