هناك العديد من الشخصيات الوطنية والخيرية التي عاشت من أجل غايات نبيلة ومقاصد فاضلة، استطاعت أن تخط بيمناها قصص نجاح جميلة لم تنتبه لها ساحات الوطن، ولم يلتفت إليها أجيال الغد الذين كانوا يسمعون عنها برتوش أقلام على هامش الطريق.. شخصيات أعطت الكثير وبذلت وضحت من أجل أن تنشر المحبة بين جميع الناس، وتخدم هذا الوطن في كل المجالات..
شخصية فقيد الوطن الكبير الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة رحمه الله هي إحدى هذه الشخصيات القلائل التي قدمت الكثير وصنعت عناوين المجد في كل محطة ارتحلت إليها من أجل خدمة الدين والوطن.. لست من أولئك الذين عاصروا الشيخ رحمه الله أو التصقوا بشخصيته في الميادين التي عمل بها.. ولكن في بضع اللقاءات السريعة والمعدودة التي شاهدته فيها، وحجم المقالات والكتابات التي كتبت عنه بعد وفاته، والمنتدى الأخير الذي نظمته جمعية الإصلاح وفاءً له وتقديراً لمكانته.. قلت في نفسي.. هل يا ترى قدمت وأستطيع أن أقدم أنا وغيري من عشاق البحرين الحبيبة هذا العطاء الفذ، وأن تكون سيرة كل عاشق للوطن سيرة زاخرة بالعطاءات الوطنية والخيرية والإنسانية والتي تعد شامة بارزة في حياتنا..؟!
صور عيسى بن محمد رحمه الله يغوص في لمحاتها وألوانها العاشق للخير ولحب الوطن وحب الانتماء لهذه الأرض الطيبة، لمحاتها تفيض بابتسامة معبرة ينبع منها الحنان، وكلماته التي قرأناها وانتشرت بين الناس، هي كلمات خير وحب ووفاء لديننا الحنيف ولوطن خدمه وأعطاه الكثير.. وقد أعجبتني هذه الكلمات التي خطها رحمه الله لشباب يحلم بوطن يحتضن الخير بين جنباته: «أيها الأبناء الأعزاء، إن الواحد منا ضعيف بنفسه، قوي بإخوانه، إذ ما أسهل في هذه الحياة أن ينظر الإنسان الفرد إلى طول الطريق فيمل، وإلى صعوبته فييأس، أو يفكر في قلة الثمار فيكسل، وفي مرارة الصبر فيقنط، وقد يتلفت حوله فيرى قلة المشجعين فيستوحش، أو يستمع إلى قول المثبطين فيقعد إيثاراً للسلامة».
وفي كلمات جميلة أبدع معالي رئيس مجلس الشورى علي بن صالح الصالح والدكتور علي فخرو في وصف الراحل الكبير بأوصاف جميلة ومبدعة قلما نجدها في (صداقات زمان اليوم).. يقول الدكتور علي فخرو عنه: (وكصديق عرفته إنساناً متديناً، عفاً في اللسان مع من يختلف معهم في الدين أو المذهب، ممارساً لدينه بوسطية غير متزمتة، ميسراً غير معسر، مرحاً ضاحكاً في اقترابه من رب العالمين. عندما قابلته في الشهور الأخيرة من حياته، وجدته كعادته راضياً بأقدار الله وقضائه، مبتسماً برقة الصداقة والمودة، وعندما ضمني شعرت بذلك الدفء الساحر ينساب منه، وكأنه يودع إذ يتذكر ويعيد الذكريات).
رحم الله الشيخ عيسى بن محمد برحمته الواسعة وأجزل له المثوبة والأجر على كل ما قدم خدمة للإسلام ولهذا الوطن العزيز، لتكون سيرته وسيرة كل أبناء البحرين البررة من جيل صناع الخير عنوان نجاح ورفعة وازدهار للإسلام والمسلمين والبحرين الحبيبة.