في وقت لعب فيه الإعلام دور العامل الرئيس في تكوين وتوجه أفكار مختلف فئات الشرائح المجتمعية، وتراكمت عليه آمالهم في تقدم وتنمية أوطانهم ومجتمعاتهم، إلا أنه أصبح سبيلاً» لتشكيل الاضطرابات والتوتر المجتمعي من مختلف الزوايا والتوجهات الفكرية والعقائدية ولاسيما السياسية. وما نراه اليوم على مختلف وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، بل وعلى المنصات الإعلامية الرقمية الجديدة المعروفة بـ»السوشال ميديا»، نجد بأن الإعلام أصبح ذو فتنة عارمة، يصطدم بكل الاتجاهات والأفكار والثقافات ويصيب الرأي العام بأزمة مستمرة لا نهاية لها. وذلك لغياب الضوابط عنه و القوانين الصارمة، وبالأخص فيما يتعلق بوسائل الإعلام الجديد، الذي اعتمد غالبيته على استئجار محررينه والقائمين عليه. ولذلك اكتسبت دراسة التضليل الإعلامي أهمية كبيرة مع تنامي الدور الإعلامي في الوقت الراهن على كافة الأصعدة، وهذا ما أكدت عليه الدكتورة معن الطائفي في دراستها ومدوناتها حول التضليل الإعلامي التي نشرت في عام 2012.
وفي ظل انتشار وتزايد قنوات الإعلام التقليدي والجديد، تزايد التضليل والفساد الإعلامي من خلال سياقة الأخبار وأسلوب وطريقة نشرها وبثها لمختلف صفوف الجماهير، وهذا ما أكسب دراسات التضليل الإعلامي أهمية متزايدة مع انتشار القنوات الإخبارية الفضائية العربية وتنامي الدور الذي تلعبه ليس فقط في نقل الخبر، بل في صياغة وتحديد توجهات الرأي العام التي أصبحت مسموعة وذات سلطة في المجتمعات العربية، ولاسيما بعد ما يسمى ثورات الربيع العربي.
التضليل الإعلامي لا يعد من المواضيع المستجدة والحديثة على البحوث الأكاديمية والحقل المنهجي، ففيما يتعلق بالنشاط الإعلامي بكافة وسائله ومستوياته، فقد يعتبر من أقدم الأنشطة التي مارسها الإنسان في المجتمع والتي ارتبطت بضرورات التواصل بين الجماعات وطبيعة إدارتها للعلاقات التي تربط بينها. كما تم تسخير الإعلام لإدارة العلاقات التي تربط بين القوة الحاكمة والمهيمنة وبقية الأفراد داخل الجماعة الواحدة. ومن خلال اطلاعي ودراستي لكتاب الباحث والأكاديمي المتخصص في الصحافة والإعلام للدكتور ذياب الطائفي، يكشف لنا أن التضليل الإعلامي يعتمد إلى عدم تقديم المعلومات كما هي للمتلقي ويتم تعديل أو تغيير الصورة وتعرضها لتعديلات بشكل مدروس ومنهجي كما في النص أو المحتوى المنشور بما يغير في مفاهيم الجماهير والرأي العام. وهذا التغيير يهدف إلى خلق واقع جديد لا علاقة له بالواقع المتحقق فعلاً». ومن تلك الأساليب المضللة أيضاً»، التعميم والكذب وإثارة الخوف والتضخيم للحدث الواقع والتكرار للفت الانتباه وكذلك الخطاب المزدوج.
ومع تطور وسائل الإعلام وظهور الإعلام الرقمي – الجديد «السوشال ميديا» يكتسح التضليل منصات الإعلام الاجتماعي – المؤثر الأول في الرأي العام والمغير بجدارة لأفكاره وتواجهاته ليصبح فساداً» إعلامياً». ومن دوافع هذا الفساد الذي يمكن تعريفه بأنه فن الاتصال في ظل المنافسة - بحسب تعريف كتاب د.ذياب الطائفي، هو ما تتيحه المنصات والمواقع الإعلامية الجديدة من تقنيات وإمكانيات غير مسبوقة وإحداث التأثير المعني والمبرمج في الطرف الثاني «المتلقي» من الجماهير من مختلف زوايا المجتمع. ولاسيما غياب القانون المحدد والصارم واختلافه إن وجد في بعض الدول العربية، كفل للتضليل حرية النشر الرقمي على المنصة السوشالية تحت مظلة حرية التعبير عن الرأي.