الغريب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أنها أفرزت شخصية، من خارج الوسط السياسي، مثيرة للجدل، مثل دونالد ترامب. فهو لم يسبق له أن تولى منصباً حكومياً، واقتصرت خبرته على المجالات التجارية. والأهم أن أمريكا والعالم الآن أمام رئيس جديد يتصف بـ «التطرف»، الذي عُرف عنه خلال حملته الانتخابية. وقد توعد القادم الجديد للبيت الأبيض بتقويض دعائم كل ما جاءت به إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، الديمقراطية، وقبلها إدارة جورج بوش الابن، الجمهورية، أي ستة عشر عاماً من الحكم. لم يسبق أن حصل هذا من قبل. فهل أمريكا مقبلة على تغييرات جذرية، انقلابية، سيأتي بها ترامب؟ وما هي مخاطر ذلك عليها وعلى العالم؟
خلفية ترامب
لم يحدث أن جرت انتخابات رئاسية في أمريكا مثل انتخابات 2016، ولم يحدث أن ترشح فيها أشخاص يشبهون ترامب. فمن هو يا ترى؟ القارىء لسيرته لا يخرج بالكثير عن شخصيته وميوله أو أفكاره السياسية. معروف أنه من أصول ألمانية، ورث شركة عقارات كبيرة من والده، جعلته مليارديراً. مزواج، لا يدخن ولا يشرب الخمر. رجل دخيل على السياسة، لكنه أبدى طموحاً في أن يصبح رئيساً قبل نحو 30 عاماً. رشح نفسه للرئاسة عام 2000، عن حزب صغير مغمور. وبعد فوز باراك أوباما، سنة 2008، قاد حركة ادعت أن أوباما مولود خارج البلاد ولا يحق له أن يصبح رئيساً. ثم انضم إلى الحزب الجمهوري عام 2012 تمهيداً لترشيح نفسه للانتخابات الأخيرة. ليس له كتابات أو مؤلفات أو مقالات أو أثر أدبي، أو سجل عام، يدل على ما يحمله من أفكار سياسية. لذلك كل ما هو معروف عنه هو ما قاله وفعله خلال الحملة الانتخابية.
كيف قدم ترامب نفسه للناخبين؟
قدم ترامب نفسه للناخبين على أنه صاحب «عقلية كابوي»، ذلك الذي سينقذ البلاد والعباد، وأنه بديل للطبقة الحاكمة «الفاسدة» في واشنطن، كما وصفها. وهذا ربما ما جعله يحظى بثقة فئة من مواطنيه، يساورهم قلق من ضعف أداء النخبة فوجدوا فيه بديلاً. ولقد استهان المراقبون بنبرة ترامب المتعالية، المليئة بالكراهية والعنصرية، وتوجيه التهديد والوعيد في كل اتجاه، حتى أنهم لم يأخذوا على محمل الجد بعض ما قاله. وعُرفت عنه حالة الغطرسة والمواقف الحادة. ورفع شعار «إعادة المجد والهيبة لأمريكا». وقد رسم الإعلام له صورة بغيضة جعلت المراقبين يستبعدون فوزه. وعد ببناء جدار يعزل بلاده عن المكسيك، ودعا إلى منع المسلمين من دخول البلاد، واتخذ مواقف ضد المهاجرين، وضد النساء، مما أثار مخاوف داخلية وخارجية.
حالة الانقسام
تركت الحملة الانتخابية أمريكا في حالة انقسام، إذ إن الفرق في مجموع الأصوات بين ترامب وهيلاري كلينتون لا يزيد كثيراً عن مليون صوت. فلم يكن فوزه ساحقاً مثلاً. لذلك حاول ترامب أن يعالج هذا في كلمة الفوز، فقال إنه يعتبر نفسه رئيساً لكل الأمريكيين. وقد سارع الرئيس أوباما بنفسه إلى محاولة معالجة الأمر بأن دعاه على الفور إلى البيت الأبيض، ووعده بانتقال سلس للسلطة، واصفاً ما جرى خلال الحملة الانتخابية بـ «الصخب والضجيج». وربما جاء تصرف أوباما السريع تجاه ترامب كجزء من سياسة المؤسسة هناك لـ«احتواء وترويض» الرئيس الجديد.
صعود موجة التطرف عالمياً
لكن الحقيقة أن دونالد ترامب سيرث فعلاً بلاداً منقسمة على نفسها داخلياً، وغير متصالحة حتى مع من يُفترض أنهم حلفاؤها خارجياً. وقد أرسل فوزه رسائل غير مطمئنة تثير الخشية من توجهاته المتطرفة. هذا التطرف، الذي ربما يكون قد بدأ عالمياً بعد خروج بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة، وزاد بانتخاب ترامب، وسيزداد مستقبلاً بصعود طبقات سياسية في أوروبا تميل إلى التطرف، مثل فرنسا مثلاً، تحت ذريعة العودة إلى «الدولة القومية»، والابتعاد تدريجياً عن التحالفات الناظمة للعلاقات الدولية، مما يهيء لبروز تحالفات أخرى، ويقود إلى تغيير في تفاهمات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. مما قد يُسخن الأجواء، ويزيد التنافس بين الدول.
العداء للأديان: بين ترامب وهتلر
استغل ترامب التحريض الذي مارسته وتمارسه وسائل الإعلام الأمريكية ضد الإسلام والمسلمين، على مدى السنين، فأوجد لنفسه عدواً وهمياً يهاجمه. بل أنه انزلق، بوعي أو بدون وعي، إلى تطوير الأمر من «حالة تحريض» إلى «حالة عداء» للمسلمين. وربما سيظل ترامب رهينة لهذا الحالة طوال سنين حكمه، وسيصعب عليه الخروج منها، وسيورط نفسه وإدارته وبلاده في مختلف أنواع المشاكل، داخلياً وخارجياً. فلا يمكن لسياسي عاقل أن يعادي ديناً سماوياً بهذه الفجاجة والغلظة، ويعادي معتنقيه في العالم.
لم يحصل أن بنى سياسي مجداً على معاداة دين من الأديان إلا الزعيم النازي أدولف هتلر، الذي استند في صعوده السياسي، في العشرينات من القرن الماضي، على خطاب كراهية اليهود والعداء لهم. فرهن نفسه وبلاده في هذه الحالة إلى الأبد. وها هي ألمانيا لاتزال، لغاية اليوم، تدفع ثمن حماقة هتلر، بعد وفاته بسبعين عاماً، على شكل تعويضات إلى اليهود وإسرائيل.
الخلاصة إذن، هل صعود ترامب وفوزه، في انتخابات 2016، بمنصب رئيس الولايات المتحدة، يشبه صعود ادولف هتلر وفوزه، في انتخابات 1933، بمنصب مستشار ألمانيا، في انقلاب نازي قاد العالم إلى الحروب والويلات والدمار؟ وهل سيفعل «فوهرر» واشنطن ما فعله هتلر، وزميله «الدوتشي»، الفاشستي بينيتو موسوليني، في إيطاليا؟