إن عملية تقنين أحكام الوقف في نصوص قانونية أمر غاية في الصعوبة كونه يتعلق بإنزال الأحكام الشرعية في نصوص تتفق وطبيعة المرحلة الزمنية التي تصاغ فيها هذه الأحكام العامة، وهذا أمر يحتاج بلا شك إلى صنعة وحرفية وحبكة احترافية لا يقدر عليها سوى أهل الاختصاص المزدوج وأعني هنا أصحاب الخبرة العملية في المجال القانوني والشرعي ممن مارسوا العمل الوقفي منهم على سبيل المثال، قضاة الشرع وهم المختصون بنظر قضايا الوقف، والباحثون الشرعيون من العاملين في إدارات الأوقاف بالمملكة، والمحامون والباحثون القانونيون في الإدارات المختصة، لأن ترك الأمر إلى البرلمانيين وحدهم سيخرج نصوصاً لا تفي بمتطلبات الوقف الحقيقية التي نأمل فيها بعد طول انتظار، وذلك ليس لقصور لديهم، ولكن بسبب طبيعة عملهم حيث إنهم يتسمون بالطابع السياسي، أكثر من الطابع التشريعي أو الفقهي، ويؤكد ما أقول ما ذكره الدكتور السنهوري في هذا الصدد: «إن ترك الأمر في التقنين إلى هيئة سياسية كالبرلمان ليس من شأنه أن يوجد تقنيناً صالحاً موافقاً لأصول الفن»، والسبب عنده في ذلك أن رجال البرلمان رجال سياسيون قبل كل شيء وأن لوائحهم الداخلية مصممة طبقاً لطبيعة المناقشات في المسائل السياسية أو الاجتماعية التي غالباً ما لا تلائم عملية التقنين بالمعني المشار إليه، ومن ثم لا يؤمن أن يخرج التقنين «مفكك الأجزاء متناقضاً غير متماسك». إذن لا مناص من إجراء عملية التقنين على عدة أسس لإخراج عمل متكامل يلبي المرجو من القانون المنتظر، وهذه الأسس هي:
1- تشكيل لجنة فنية من عدة تخصصات «شرعيين – قانونيين – لغويين»، يسند إليها صياغة مشروع قانون الوقف.
2- تنظيم ورش عمل ودعوة كل من له ثمة صلة بالعمل الوقفي والخيري سواء من الإدارات الحكومية أو الجمعيات الأهلية وطلبة العلم الشرعي والمهتمين بتنمية الوقف ورعايته.
3- الاقتباس من قوانين الوقف المستحدثة في الدول المجاورة سواء في دول مجلس التعاون الخليجي أو الدول الإسلامية التي شهدت طفرات في العمل الوقفي.
4- التعامل بشفافية مطلقة مع كافة الآراء الفقهية من المذاهب المختلفة وأخذ المشترك منها وترك المختلف فيه للتنظيم الداخلي «بموجب لوائح داخلية»، بما يتوافق مع المبادئ العامة للقانون للخروج بتقنين واحد يصلح للتطبيق.
فإذا استطاع المشرع مراعاة هذه الأسس مجتمعة، ونحى القائمون على صياغة مشروع القانون فكرة التعصب المذهبي وأعلى الجميع فكرة المواطنة والمهنية في الصياغة استطعنا أن نخرج بتقنين يستطيع أن يلبي متطلبات المجتمع بأثره كوحدة واحدة وقدمنا دليلاً عملياً معاصراً ومواكباً للتطورات الحالية يؤكد أن شريعتنا الغراء تصلح لكل زمان ومكان، وأنها جاءت تحمل الخير للبشرية كلها وأن ديننا يجمع ولا يفرق وينبئ بصدق.