دأبت الأمم المتحضرة على تكريم أبنائها البررة المتميزين في مجالاتهم الأكاديمية والعلمية والمهنية وفي سائر المجالات، وتكريم أصحاب الخبرات العملية الطويلة على ما قاموا بها من جهود مقدرة، هؤلاء جميعا الذين أسهموا بشكل مباشر في تطور البلدان وازدهارها وجعلها في المكانة اللائقة بها، بفكرهم النير وعملهم الدؤوب، وعلمهم الرصين، ومشاعرهم الوطنية الصادقة، هكذا هو العالم المتحضر الذي بات على قناعة تامة بأن تطوره وتقدمه مرهون بيد البررة من الأبناء.

أعتقد أن من أبسط أنواع التكريم والتقدير هو إضفاء الألقاب العلمية التي استحقها هذا النفر، بحيث يتم وضع كل منهم في مكانه الصحيح، وإنزالهم منازلهم التي استحقوها وحصلوا عليها بالتعب والمثابرة والاجتهاد ومقارعة الكتب والمراجع لسنين عددا، فإذا الواحد منهم قد وصل إلى مرتبة «الأستاذية» المعترف بها من المؤسسات العلمية علينا جميعاً العاملين في حقول الإعلام المختلفة أن نبرز بوضوح شديد هذه المرتبة والدرجة العملية لهذا الشخص أو ذاك إذا ما جاء في خبر صحافي، وألا نبخس الناس أشياءهم، فوسائل الإعلام هي الوحيدة التي بإمكانها ترسيخ مفاهيم احترام العلم والعلماء وإعطاء كل ذي حق حقه.

مملكة البحرين تحظى وتزخر بوجود عدد كبير من الخبرات الوطنية التي تماثل الخبرات العالمية في المجالات كافة، وللأسف من النادر جداً أن تقوم وسيلة إعلامية بذكر «الخبير البحريني» لشخص خبير بالفعل في مجاله قدم إفادة علمية أو صحح معلومة، وهذا أمر محبط جداً، ولعله يمثل سبباً من الأسباب التي تجعلنا لا نستفيد من خبراتنا الوطنية كما نستفيد من خبرات – الخبراء – الذين يأتوا إلينا من الخارج.

حسب موسوعة «الويكيبيديا» الحرة فإن الخبير هو «شخص معترف به كمصدر خبرة في فرع من فروع المعرفة، وعلى الأخص في مجال المال والتجارة أو خبرة في الاقتصاد «خبير اقتصادي»، أو في أحد فروع الهندسة: خبير معماري، خبير جيولوجي، خبير مباني، خبير منشآت، مثل الطرق والكباري، والخبير في العادة يكون أكاديميا أنهى دراسته الجامعية واشتغل عدة سنوات وحصل على خبرة مستفيضة في مجال عمله».

الخبير أيضاً قد يكون نال هذا اللقب بممارسة مهنة معينة عشرات السنين وليس بالضرورة أن يكون خريج جامعي، ويمكن أن يكون الخبير شخصاً موثوق في معرفته الجيدة في مجال عمله، يكون ملماً بمعرفة فرع تخصصي أكثر من الشخص العادي المشتغل في ذلك العمل، وقد رأينا كثير كيف أن المحاكم تعتمد على الخبير الاختصاصي في بعض قضاياها، وتعترف بما يقدمه من تقرير خبرة.

في عالمنا اليوم بعض الدول التي تفتخر بأبنائها حتى وإن لم يكونوا خبراء أو أساتذة كبار، الواحد منهم قد لا يتجاوز عمره الثلاثين عاما تطلق عليه قنواتها – الخبير الاستراتيجي – الخبير في الشؤون الاقتصادية– الخبير في شؤون الشرق الأوسط، هؤلاء فهموا أهمية العامل النفسي في زرع الثقة في مواطني البلاد عندما يروا خبرائهم منتشرين عبر القنوات الفضائية، وبالتالي يكونوا قدوة للنشء وللأطفال ولطلبة الجامعات في أن يحذوا حذوهم، وفي ذات الوقت يكون هناك التنافس الشريف بين الأقران وطلبة الدراسات العليا في أن يحلموا أن يكونوا خبراء يظهرون على الشاشات.

قديما قيل إن الإعلام سلاح ذو حدين، نعم هو كذلك، وإيجابياته كثيرة وغير محدودة ومن ضمنها تعميق قيم حب البذل والعطاء والتفاني والعمل بإخلاص من أجل الوطن، كذلك من إيجابيات الإعلام ترسيخه للكثير من القيم الوطنية التي ترتقي بالشعب، وبالتالي تسهم في وضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة، لأن الإعلام قام بدوره على الوجه الأكمل بأن جعل التنافس الشريف بين أفراد الشعب في ارتياد منصات التتويج سواء كانت رياضية أو علمية أو فنية أمراً ممكناً، فالبحرين زاخرة بالبروفيسورات في مجالات أكاديمية وعلمية كثيرة، يؤدون دورهم المنوط بهم في تطور البلاد وازدهارها، كما تحظى وتزخر البحرين بوجود الخبراء، والخبراء الاستراتيجيين في مجالات عديدة علينا تقديرهم بأضعف الإيمان أن نعطيهم المسميات التي يستحقونها عندما ننشر أخبارهم، ومن هنا أحي الخبير الفلكي البحريني البروفيسور د.وهيب عيسى الناصر، هذا الوجه البحريني المشرق في المحافل المحلية والإقليمية والعالمية، على غزارة علمه وما يقوم به من دور أكاديمي بجامعة البحرين ومن دور توعوي وتثقيفي للمواطن البحريني عبر وسائل التواصل المختلفة.