نواصل في الجزء الخامس والأخير من المقال حديثنا عن مدينة القدس المحتلة منذ اتفاقية أوسلو حتى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل.

بعد أن تمكنت الحكومة الإسرائيلية من إغلاق العشرات من المؤسسات الفلسطينية في القدس، فقد تم تفريغ القدس من القيادة السياسية الفلسطينية. تشير نتائج البحث الذي قمت به في السنوات الأخيرة إلى أن إسرائيل لم تسمح بعد وفاة فيصل الحسيني والشيخ حسن طهبوب إلى نمو قيادة فلسطينية في القدس مما أدى إلى فراغ قيادي وسياسي في أوساط المقدسيين. فالقيادة الحالية المتمثلة بمحافظ ووزير القدس الفلسطيني، عدنان الحسيني، لا يسمح لها العمل المباشر من داخل القدس. فالحسيني يعمل من خارج القدس، من رام الله، مما يدل على إقصاء ممنهج خلقته أوسلو للقيادة الفلسطينية وللوجود السياسي الفلسطيني في المدينة. غياب القيادة الفلسطينية أدى إلى سيطرة اليمين الإسرائيلي على دائرة القرار بخصوص ميزانيات القدس الشرقية. هذا الغياب القيادي والسياسي الفلسطيني في القدس أدى أيضاً إلى دخول لاعبين جدد للحلبة السياسية المحلية مثل الحركة الإسلامية ونواب القائمة المشتركة. رغم إفراغ القيادة في القدس، فقد استطاعت مؤسسة الأوقاف الإسلامية والمرجعيات الدينية في المدينة خلق قيادة محلية في المدينة تحدت السيادة الإسرائيلية وفرضت أمراً واقعاً أجبر الحكومة الإسرائيلية على إزالة البوابات الإلكترونية التي وضعت على بوابات الأقصى بفضل المقدسيين والهبة الشعبية المحلية التي كانت في الأشهر الأخيرة.

الجدير بالذكر أيضاً أن إعلان ترامب يناقض بشكل واضح اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل التي تم توقيعها عام 1994، حيث تنص الاتفاقية بشكل واضح على أن الأردن هي الراعية للمقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى، فهذا أيضاً يفتح ملف الاتفاقية مع الأردنيين على مصراعيه، ويطرح السؤال هل يعلم ترامب بمضمون اتفاقية وادي عربة والبنود التي تتعلق بالقدس أو أنه حتى لا يعي أي أهمية لتلك الاتفاقيات.

رغم إعلان ترامب الذي هو بمثابة ضربة للقوانين الدولية ستبقى القدس عربية فلسطينية. لن يكون هناك دعم أوروبي لهذا القرار ولن تقوم دول عديدة بنقل سفاراتها إلى القدس حيث إن غالبية دول الاتحاد الأوروبي تلتزم بحل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. هي مسألة وقت ونرى أن القرار الترامبي لن يصمد كثيراً في وجه الحراك الفلسطيني والإسلامي والعالمي.

ختاماً نقول إن إعلان ترامب يناقض كل المواثيق الدولية والعالمية المتعارف عليها وأيضا ينافي حل الدولتين الذي تتمسك به غالبية دول العالم. فما قام به ترامب الآن هو ما خططت له إسرائيل حين استطاعت إقصاء القدس من اتفاقيات أوسلو من أجل فرض حقائق على أرض الواقع الذي مازال يتحداها المقدسيون بشكل يومي. إعلان ترامب سيفتح أيضاً ملفات اتفاقية وادي عربة مع الأردن من جديد وسيفتح من جديد الحوار حول مصداقية القوانين والمواثيق الدولية بخصوص القدس وغيرها.

* محاضر في العلوم

السياسية والعلاقات الدولية