لم يكن عبدالعزيز الخاجة -رحمه الله- إلا رمزاً لجيل من الإعلاميين الرواد الذين حفروا بأظافرهم قنوات العمل الصحافي الحديث إبان فترة انتقالية كانت الدولة تثبت فيها المداميك الجديدة للصرح التنموي الطموح عبر توجيه مواردها الجديدة نحو بناء عصري حديث فتي ذي تطلع مبدع على مستوى الدولة والشعب، وكان النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وبداية الثمانينيات انطلاقة زمنية ووجودية لتشكل مجتمعاً جديداً يؤطر الوفرة النفطية ويستثمرها في صورة مشروعات عملاقة ومؤسسات حديثة تليق بهذا التموضع الجديد ويليق بالبحرين الحديثة ضمن منظومتها الخليجية والعربية والعالمية، وكان مسؤولو البحرين إبان تلك الفترة -وكما هو ديدنهم دائماً - أصحاب أفق عريض حكيم يستشرف الزمان والمكان بغرض تحقيق أقصى استفادة لمجتمعهم من خلال تحقيق التنمية الشاملة حيث الإنسان فيها وسيلة وغاية في وقت واحد، وكانت الحاجة ماسة لجيش من الإعلاميين والصحافيين لكي يواكب هذه الانطلاقة التي لم تقتصر في تجلياتها على قطاع واحد بل كانت موجتها تسير بشكل متواز علي كل صعيد، وتستطرق في المجتمع بجميع مجالاته.

إنه الإعلام التنموي إذن، إنها «الضرورة» التي ينبغي أن يقوم الجهاز الإعلامي بدوره فيها من حيث شحذ الهمم واستخراج العزائم، كي يقف الشعب والحكومة معاً كالبنيان المرصوص لتحقيق الأهداف العليا السامية، وهنا كان مضمار المرحوم عبدالعزيز الخاجة حيث عمل فيه فارساً مع قلة قليلة، فكانت أخبار الدولة جلها سواء ما تعلق منها بالاستقبالات أو الاجتماعات أو المباحثات بين الدول الشقيقة والصديقة، وأخبار الوزارات وإنجازاتها والمشروعات بأنواعها وملاحقة المناسبات العامة بكافة تفاصيلها، كل ذلك كان في جعبته حيث كان يعمل داخل البحرين وخارجها من دون كلل، تعلو وجهه ابتسامة فطرية، يقوده حبه وإخلاصه، كنت أراه في كل وقت من أوقات اليوم، فجراً أو ليلاً، أو في العطلات أو الجمعات لا فرق، متأبطاً لفافة أوراقه المنتفخة بالأخبار والتقارير حيث يتولى تسليمها بنفسه لمحرري الأخبار بالوزارة أو للصحف المحلية، كانت الأخبار التي ينتجها عبدالعزيز الخاجة إلى جانب أنها تمثل أخبار الدولة ومسيرة التنمية فيها إلا أنها كانت تنتمي لما يطلق عليه مهنياً بـ «الأخبار الجاهزة» وهي أخبار تم تحريرها ولا يجوز التعديل فيها نصا وربما تم التدخل فيها عرضاً أو تنفيذاً، وكان هذا معناه أن كل الأخبار التي يوزعها علي الصحف ووكالة الأنباء والإذاعة والتلفزيون هي من تحريره هو ولا يجوز إجراء أي تعديل عليها، وهو جهد كبير مضاعف ومسؤولية أكبر. كثيراً ما كنت ألتقي به في غرفة الأخبار حيث كانت الأخبار حينها تكتب على الآلة الكاتبة في فترة -ماقبل الكمبيوتر- فتدور مناقشات وأحاديث في دروب شتى ينضم إليها محررو القسم ووكالة الأنباء واذكر من هؤلاء، عوض هاشم، ومبارك عيسي، ومحمد حسن، وحسن بوجيري، وأحمد الساعي، وسلطان الشريان وعلي العالي وغيرهم. وكان المرحوم عبدالعزيز يحظى بمحبة الجميع واحترامهم حيث كان يحمل قلباً صافياً، ورغبة مخلصة في خدمة زملائه، كما كان يتحلى بخلق وأدب جم إلى جانب خفة روح وحب للفكاهة.

لقد أوقف المرحوم عبدالعزيز الخاجة حياته كلها على مهنته، وأخلص في عمله وفاء لوطنه فاستحق أن يكون رمزاً من رموز التفاني والعطاء في العمل الصحافي والإعلامي، حتى غادرنا في هذه الأيام المباركة، فدعاؤنا له بالرحمة والغفران.