الآن وبعد مضي عدد من الاجتماعات الثنائية بين ممثلي الحكومة وممثلي السلطة التنفيذية من النواب والشوريين بشأن مناقشة مقترحات قانون التقاعد، بعدما ما يفترض أنه إعادة تعديل في بعض البنود، كشف بعض النواب أن ما طرح من مقترحات، وكأنها عملية إعادة صياغة لنفس البنود، وهو ما يكشف بأن القانون في طريقه لإعادة الطرح بنفس الصيغة السابقة، مع تغيير بنود قليلة جدا.
رغم أن مجلس النواب رفض القانون، وثلاثة من الشوريين تمثلوا بنفس الموقف، ورغم أن غالبية الأقلام الصحفية انتقدت القانون، ونقلت وسائل الإعلام صوت المواطن واعتراضه وانتقاداته، وتبع كل ذلك تفاعل ملكي من جلالة الملك حفظه الله، وانتصاره لموقف الشعب، وبالتالي كان التوجيه بإعادة القانون لإعادة مراجعته بما يتوافق مع الملاحظات التي طالته، رغم ذلك كله، يبدو أن هناك إصرار على تمرير بعض البنود كما هي، حتى لو تمت صياغتها بطريقة مغايرة.
لن أخوض في التفاصيل، رغم أننا تطرقنا لبعضها الأسبوع الماضي، مع طلب ملح بأن يلتزم الجميع بالتوجيه الملكي الذي يشكر عليه ملكنا العزيز، وأن يكون التزاما حرفيا تاما، إلا أن استمرار الجدل بشأن القانون حتى اليوم، ومع تكشف عديد من النقاط فيه بحسب ما نشر عن المقترح الحكومي، فإن التساؤل الذي يعيد طرح نفسه مجددا هنا يتمثل بالسؤال التالي: هل نحن بالفعل بحاجة لقانون تقاعد جديد؟!
نعم، نتساءل ونوجه التساؤل للحكومة الموقرة، هل الإتيان بقانون جديد للتقاعد فيه بنود مهما قلبناها يمنة ويسرة ستطال مكتسبات المواطنين وستقلل من المزايا لا محالة، هل الإتيان به ضرورة لا مناص منها؟!
لا أعتقد شخصيا بأننا ملزمون بابتكار قانون جديد هنا، إذ المشكلة حسبما هي معلنة تتمثل بوضعية الصناديق الثلاث، وأن أكثر ما يؤثر عليها هو تخصيص صندوق للتقاعد النيابي نسبة الاشتراكات فيه لا تغطي الاستحقاق المطلوب بشأن الفترة الزمنية القصيرة، وفي هذا الجانب هناك بند من المقترح الحكومي يحله، وأعني وضعية التقاعد المعني بالبرلمانيين يضاف إليه تعديل وضع التقاعد المعني بالوزراء.
هذا أحد الحلول الذي قد يتوافق الشعب مع الحكومة بشأنها على الفور، إذ لو عدنا لكثير من الملاحظات الشعبية، لوجدنا أن التقاعد البرلماني كان أكثر المواضيع التي انتقدت شعبيا، وطالب الناس بإلغائها، خاصة في ظل إنشاء صندوق خاص بهم في مدى زمني سريع جدا، عوضا عن التباين الضخم بشأن حجم الخدمة ومقارنتها بخدمة المواطن العادي.
وعليه فإن تعديل وضع التقاعد البرلماني والوزاري قد يكون النقطة الوحيدة التي تُحسب هنا في شأن مراجعة القانون. لكن بخلاف ذلك، فإن النقاط التي أثارت توجسا منطقيا تركز على محاولة زيادة نسبة الاشتراكات، ما يعني زيادة الاستقطاع من رواتب الناس، وكذلك مساعي احتساب استقاط التعطل في حسبة مكافأة نهاية الخدمة، وهي الفكرة الغامضة حتى الآن، إذ هل تعني أن مكافأة نهاية الخدمة ستزيد نسبتها، وأن ما استقطع من المواطن شهريا من نسبة التعطل، سيكون بمثابة ”الإدخار“ الذي سيكون بمثابة ”البونس“ على مكافأته؟! إضافة إلى الزيادة السنوية للمتقاعدين والتي حددت بسنوات معدودة، وجاءت بصيغة وكأنها تخالف التوجيه الملكي بشأن هذا التقاعد بالذات، وكلنا يعلم بأن نسبة الزيادة السنوية للمتقاعدين هي مقرة من جلالة الملك حفظه الله مباشرة، أي أنها مكرمة منه لأبناء شعبه المتقاعدين، بالتالي لا يجوز مناقشة مكرمة ملكية والعمل على إيقافها.
وسط كل هذا، نعود لطرح التساؤل: لماذا نحتاج لقانون تقاعدي جديد يسبب كل هذا القلق في المجتمع، ويهدد مستقبل الناس، ويزيد الضغط على جيوبهم، بل ووصل ليهدد حتى المتقاعدين؟!
إن كنا نريد حل مشكلة العجز الإكتواري فهناك حلول عديدة، فبحسب ما نقرأه من تصريحات، هناك أرباح تحققها البلد في عديد من الأصعدة، الشركات التي تساهم فيها الحكومة تعلن دائما أرباحا ضخمة، فلماذا لا يخصص منها نسب لتسد جزءا من العجز أو الدين العام؟! لماذا لا توجه نسب من الإيرادات في المعالجة المباشرة لهذه الملفات؟! لماذا لا نعلن جردة الحساب المعنية بالاستثمارات والمشاريع وما يدخل على البلد من خير عبر مصادر الدخل، ونحول جزءا منها لمعالجة الشقوق المالية؟!
الفكرة بأن هناك حلول لو أردنا، لكن لنبتعد عن جيب المواطن، ولننهي هذا الأسلوب الذي يجعله يعيش قلقا وترقبا دائما للمجهول.
الأسعار ترتفع في كل شيء، ضريبة القيمة المضافة قادمة، المواطن أصلا متضرر من التضخم، وآخر ما يحتاج إليه رفع نسبة اشتراكه التقاعدي، أو التقليل من مكاسبه، أو حرمانه من زيادة بسيطة في راتبه التقاعدي.
السؤال الذي مازال بلا إجابة: ألا يمكننا إيجاد حلول لا علاقة لها البتة بجيب المواطن ومدخوله؟! مع ملاحظة أن كثيرا من هذه المشاكل، لم يكن للمواطن دور فيها، ولم يكن هو السبب في حصولها!