اتصل بي أخ وصديق من أقاصي البلاد برسالة كتبت بمداد الألم وقوافي الأمل وأسطر رجاء من صديق له يعيش بعيداً في بلاد تظلها السحب إلا قليلاً.

رجاني صديقي أن أمده بزيت الماريجوانا، لعلاج شقيقه الذي يعاني من السرطان.

توقفت عند الرسالة، فأنا لا علم لي بزيت الماريجوانا، ومبلغ علمي أن الحشيش تجرمه قوانين الأرض إلا قليلاً من البلاد، والبلد الذي أعيش فيه يجرم الحشيش، حامله، وناقله وبائعه.

والمحشش صفة ينكرها المجتمع، وطغاة الحكام يوصفون من خرج عليهم من طلاب الحرية، أنهم محششون.

سقت هذه المبررات لصديقي.. وإن كانت هذه المبررات التي ذكرتها ربما رفعت ملامة غيري علي، ولكنها لم ترفع ملامة نفسي على نفسي.

رجعت لنفسي لائماً متهماً إياها بالعجز الذهني والجمود العاطفي والفقر الإنساني، كيف ترضين يا نفسي بقوانين كتبت موادها قبل ثمانين عاماً!!

حبست نفسي أياماً وأشهراً أبحث عن الحشيش بين الكتب والدراسات العلمية وحكايات الأدباء والشعراء، عن تاريخه، ودوائه، وغذائه ونسيجه.

نظرت في التاريخ المنسي للحشيش، وقرأت بين صفحاته ما ذكره المقريزي شيخ المؤرخين العرب والمسلمين، أن أحد كبار شيوخ الصوفية الشيخ حيدر وأثناء تجوله في الحقول تعاطى شيئاً من نبتة الحشيش، فوجد من آثاره عجباً معيناً له على الذكر والصلوات صافي النفس وسمح الروح مغتسل الهم، فأوحى الشيخ إلى مريديه أن تعاطوا الحشيش ولا تفشوا سره خارج سربكم، بل ذهب أكثر من ذلك فأوصاهم أن يزرعوا الحشيش على قبره.

ومن الشرق إلى الغرب، ومن زاوية الشيخ حيدر إلى قصر الملكة فيكتوريا أعظم ملكات بريطانيا، عشيقة أحد الجنود السودانيين كما في أساطير المهدية.. فيكتوريا تتعاطي الحشيش لتذهب آلام الرحم عند الدورة الشهرية دواءً مذهباً للأوجاع.

وهذا نابليون بونابرت عندما دخل مصر غازياً جاءه أحد "المحششين" لاغتياله في حضرة جنوده، فعرف نابليون حينئذ أن في الحشيش جندية وشجاعة وإقدام، دليلاً كافياً ليأخذ الحشيش معه إلى بلده مستزرعاً ودافعاً لجنوده للقتال.

فوائد الحشيش ثابتة عملياً وعلمياً.. كان للعالم.رافائيل مخولم الفضل في اكتشاف المادة الفعالة ت.ح.س.THC، ووجدوا أن هذه المادة المصنعة أو المستخلصة من النباتات منفردة تعطي نفس آثار نبتة الحشيش.

ثم ذهب العلماء أكثر من ذلك فوجدوا أن جسم الإنسان يفرز مادة شبيهة بمادة THC، هذه المادة التي تفرزها خلايا الجسم لها تأثير في المزاج والعلاج كتلك التي تجدها في الحشيش، ووجد العلماء نظاماً كاملاً في جسم الإنسان سمي "بالنظام الحشيشي" cannabinoid system كنظام الدورة الدموية وغيرها له خلاياه المفرزة والمستقبلة.

أحبتي.. الحشيش لتاريخ قريب لم يكن محرماً ولا مجرماً استخدامه، تؤكل بذرته الغنية في الأحماض الأمينية وتقدم للضيوف في شكل "كيك وحلوي"، أما سيقان الحشيش فتخرج منها أجود أنواع الألياف والنسيج والحبال، وكان مصدراً اقتصادياً لكثير من الدول ودواء مذكوراً في كتاب الطب "القانون" لابن سينا، ومستحضراً طبياً للأطباء والصيادلة القدامي في شرق الأرض وغربها.

ولكن بعد ظهور الشركات المصنعة للبلاستيك بديلاً عن الألياف الطبيعية وشركات الأدوية، أسرعت أمريكا في ثلاثينات القرن الماضي لتجريم زراعة الحشيش للألياف والدواء، وأوحت إلى الأمم المتحدة بذلك وتسارعت الدول الفقيرة في التجريم والتحريم.. آه لو علم هؤلاء مكر أولئك!!!

ثم بثت الأفلام والمسلسلات على وسائل الإعلام لترسم صورة للمحشش ساقط العينين مترهل الشفتين، ينطق بحلقه وقد غاب لسانه، وحركته في البطء تغار منها السلحفاء.

أحبتي.. أحرمنا دواء رخيصاً نزرعه في حدائقنا، وكساء وأكياساً صديقة للبيئة فقدناها؟!

هنا نبتة كتب على أوراقها أول دستور للولايات المتحدة الأمريكية، بل كتبت عليها آيات الإنجيل، ووصفها الإنجيليون بأنها نبتة من جنة الله، أما الحيدريون فزرعوا نبتته على قبر شيخهم.

تتسارع الآن الدول لرد الاعتبار لهذه النبتة المظلومة، في كندا، وهولندا، وبلجيكا،

وأخيراً بريطانيا.. قالوا نستخدم الحشيش لدوائه.

أحبتي.. علماءنا..أطباءنا، أهل التشريع فقهاً وقانوناً، وأهل الإعلام صورة وكلمة.. كلنا، تعالوا بعقولكم وقلوبكم لإعادة الحشيش إلى صيدليات المنازل.. دواء وكساءً وشفاء للعليل.

* جامعة يورك

بريطانيا

***---***

أحمد