تعد مسألة تحديد المفهوم للإصلاح الاقتصادي من أولويات البحث في موضوعه وذلك لتعدد آراء ووجهات نظر الباحثين في هذا المصطلح كما تنبع أهمية تحديد المفهوم في كونها تمهد لفهم السياسات المنبثقة عنه ومن ثم معرفة الأهداف التي يسعى لتحقيقها ويشير مصطلح الإصلاح في صحيح اللغة العربية إلى جعل الشيء أكثر صلاحاً أي التعديل في الاتجاه المرغوب فيه ومن ثم فإن الإصلاح الاقتصادي من الناحية اللغوية يعني تعديل مفردات النسق الاقتصادي في الاتجاه المرغوب فيه أما من الناحية الاقتصادية يعتبر تعبيراً عن السياسات التي تعمل على جعل النفقات المحلية متناغمة مع ما هو متاح من موارد وذلك من خلال إيجاد توليفة من السياسات المالية والنقدية والتجارية فالمقصود بسياسة الإصلاح الاقتصادي هو تنفيذ برنامج شامل يهدف إلى تأكيد الاتجاه نحو المزيد من الاعتماد على قوى السوق وتشجيع المبادرات الخاصة وتحرير السياسات الاقتصادية والإدارية والتنظيمية وتحسين ميزان المدفوعات والعمل على إعادة التوازن للموازنة العامة للدولة عن طريق إدخال العديد من الإصلاحات على الهيكل الاقتصادي ويحظى موضوع الإصلاح الاقتصادي في الوقت الراهن بعناية كبيرة من الاقتصاديين والباحثين لما حصل من تغيير في السياسات التنموية في النصف الثاني من القرن العشرين إلا أن هذه الأهمية ازدادت بشكل واضح في الربع الأخير تبعاً لتعاظم الإصلاحات الاقتصادية المتبعة في البلدان النامية واتخاذها تدابير إصلاحية لاقتصاداتها محاولة منها للتخلص من المشاكل الداخلية والخارجية التي لحقت بها وبذلك عملت العديد من البلدان الانسياق للمؤسسات الدولية في حين اتخذت دول أخرى إصلاح اقتصادها وفق ما رأته مناسباً لطبيعة أنظمتها الاقتصادية والسياسية ومن هنا فقد ركزت السياسة الاقتصادية في هذه الدول على تثبيت أوضاع الاقتصاد أي تخفيض العجز في الموازنة والحساب الجاري لميزان المدفوعات وتخفيض معدلات التضخم من خلال السياسة المالية والنقدية بهدف استعادة التوازن الاقتصادي الكلي في إطار خطة برنامج التوازن المالي وتنصب جهود الإصلاح بشكل عام على هدفين رئيسين أولهما استعادة التوازن الداخلي والخارجي للاقتصاد بما يمكن من احتواء التضخم وتحسين وضع ميزان المدفوعات لتوفير الموارد التي تجعل البلد قادراً في المستقبل على الوفاء بعبء ديونه المتراكمة وبالتالي استعادة جدارته الائتمانية والثاني تحسين كفاءة تخصيص الموارد المتاحة للاقتصاد والسعي لتوسيع وإنماء الطاقات الإنتاجية للبلد بما يؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي الذاتي وزيادة فرص العمل المنتج وتحسين مستويات المعيشة للسكان ويحدث الإصلاح الاقتصادي على مستوىيين مستوى الاقتصاد الكلي ويكون الإصلاح هنا استجابة للتحديات والفرص المتاحة أو للتكيف مع الصدمات الخارجية أو كرد فعل لنتائج لم تكن بالحسبان لإجراءات اقتصادية مستهدفة أو لمواجهة الاختلال في ميزان المدفوعات وما يتبعه من اختلالات مثل عدم التوازن بين الادخار والاستثمار والعجز في الميزانية وعلى مستوى الاقتصاد الجزئي يستهدف تصحيح أداء الوحدات الاقتصادية من خلال تنفيذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى ترشيد الأداء وتحقيق الاستخدام الأفضل للموارد المتاحة وزيادة حجم المنافسة وترك آلية تحديد الأسعار لقوى العرض والطلب وبالطبع يتطلب برنامج الإصلاح برنامجاً زمنياً ويتوجب أن يكون شاملاً عريض القاعدة وذلك بسبب ترابط إجراءات وخطوات الإصلاح نفسها وتأثيرها وتأثرها ببعضها البعض وبالنسبة للسرعة في الإصلاح. فلا شك في أن الإصلاح المتدرج هو الأفضل ولكن يبقى السؤال، أي تدرج وأي سرعة وعلينا إيجاد التوازن السليم بحيث نصل إلى عملية إصلاحية ديناميكية نشطة وفعالة ولكن نحافظ بنفس الوقت على الاستقرار الاجتماعي ولا بأس أن يكون الإصلاح الاقتصادي إصلاحاً متدرجاً مكثفاً وبالطبع أي برنامج إصلاح سيتعرض لصعوبات في إعداده كما في تنفيذه لاعتبارات فكرية واعتبارات سياسية واعتبارات اجتماعية وفوق ذلك وذاك سيعارضه المنتفعون من الأمر الواقع سواء كانوا في الخدمة المدنية أو في القطاع الخاص. لذلك يتطلب برنامج الإصلاح الاقتصادي لنجاحه وحتى نضمن الوضوح فيه والتأييد السياسي والشعبي له وضوح الخلفية الفكرية وراء برنامج الإصلاح والتأييد السياسي له على أعلى المستويات حيث يعتبر الانضباط المالي أساساً في عملية الإصلاح الاقتصادي وذلك لاحتواء التضخم وتمكين الحكومة من توفير التمويل للقيام بمهماتها الاجتماعية والاقتصادية.

* محلل في الشؤون

الاقتصادية والشؤون السياسية