في ظل ما يعيشه العالم من تحول في مصادر المعرفة، ومع انتشار تكنولوجيا الاتصال المعززة بمئات المواقع المتخصصة، أصبح من الضرورة السعي لأفكار جديدة، يتم من خلالها توثيق تاريخ البحرين عبر حقبه الطويلة منذ تاريخ دلمون وتايلوس، مروراً بتتابع الصراع عليها وانتهاء حكم آل مذكور على يد الشيخ أحمد الفاتح، وصولاً إلى العهد الزاهر لجلالة الملك المفدى.

ومع ظاهرة العزوف عن القراءة، تأتي الدراما كأحد الحلول الواقعية لتوثيق تاريخنا الوطني ونقله للأجيال القادمة بما يتوافق مع متطلبات العصر، ما يعزز روح الوطنية والولاء والانتماء، ويساهم في تعريف العالم بهذا التاريخ.

وخلال السنوات الماضية، نجحت الدراما في توثيق أحداث تاريخية هامة، كما ساهمت لتكون أحد أدوات القوى الناعمة للوصول إلى مختلف الشرائح.

يعتصرني الألم عندما أتصفح موقع مثل «نتفلكس» فلا أجد أي عمل عن تاريخ البحرين، في حين أجد عشرات وربما مئات الأعمال عن العثمانيبن والرومان والإمبراطوية البريطانية والتاريخ الأمريكي ودول الشرق الآسيوي.

البحرين تحتاج إلى توثيق عالمي لتاريخها وتراثها، بشكل احترافي هوليودي راقي جداً، تؤهلنا هذه الأعمال لحصد جوائز جولدن جلوب والأوسكار والمشاركة في مهرجانات دولية كمهرجان كان السينمائي وغير ذلك.

وربما تكون أفضل البدايات عمل درامي ضخم يوثق حقبة آل خليفة الكرام والأعوام التي سبقت وتلت عام 1783م، كونه النقطة الفاصلة والأهم في تاريخ البحرين، إلى جانب أعمال تتناول حقبة التواجد البريطاني وفترة الحربين العالميتين وبلجريف وبداية تأسيس الدولة الحديثة والاستفتاء عام 1970م والالتفاف الشعبي حول قيادة آل خليفة الكرام.

تاريخنا يزخر بالأحداث المفصلية، والتي يمكن أن تتحول إلى قصص صالحة للأعمال الدرامية، بالتعاون مع هوليوود ونتفلكس وغيرهما، فمن فترة دلمون وتايلوس وحكاية جلجامش يمكن استنباط أعمال متميزة على الصعيد العالمي.

وها هو تاريخنا ومنذ ما قبل الإسلام، يزخر بالأحداث والشخصيات الملهمة، مثل قصة الشاعر العربي طرفة بن العبد، والذي تم تدشين نصب تذكاري له في قرية المالكية، تناولت حياته وشعره وصولاً إلى إعدامه.

ويمثل دخول البحرين في الإسلام، أحد القصص الهامة التي يجب توثيقها درامياً، حيث التحول في تاريخ المنطقة برسالة من سيد البشرية عليه الصلاة والسلام إلى المنذر بن ساوى، كذلك توثيق شخصيات تلك المرحلة مثل الصحابي أبو العلاء الحضرمي وشخصيات القبائل العربية، وكذلك فإن تاريخ الاحتلال البرتغالي في حد ذاته يحوي الكثير من القصص.

دعوتي هذه تؤكدها الوقائع التي نعيشها اليوم، فلم يكن كثيرون يعرفون تفاصيل «تدمر» و«زنوبيا» إلا بعد مسلسل «العبابيد» وكثيرون لم يسمعوا باسم «تيتانك» قبل أن يشاهدوا الفيلم، كذلك المعلومات التي ترسخت في الأذهان عن التاريخ الأوروبي والأمريكي وتفاصيل الحرب العالمية الثانية.

التاريخ عميق والإمكانيات البشرية متوفرة وبمستوى مهني عالي، ولكن ما ينقصنا هو قرار لإعطاء إشارة البدء، حتى تكون البحرين كما كانت على الدوام في الطليعة ونموذجاً فريداً في المنطقة والعالم.