نعيش هذه الأيام مع الجائحة مستويات متفاوتة من القلق بسبب ازدياد عدد الحالات والوفيات، بالإضافة إلى ما نتحمله من ضغوط نفسية لا نستطيع تفاديها وسلوكات اجتماعية مختلفة وعلاقات أسرية أوشكت أن تصبح تحت شعار «نمارس صلة الرحم عن بعد»!!

نعلم أن الحياة اليوم مقلوبة رأساً على عقب في جميع أنحاء العالم، و(كوفيد19) بات أكبر من فيروس وصار من الضروري الوصول إلى مرحلة تصفية هذا الوباء والسيطرة عليه والذي أصبح مقترناً بالالتزام بالتباعد الاجتماعي لأنه السبب الأكبر والأخطر لنقل العدوى وبالتالي أصبح الجميع على قناعة تامة أن خفض الحالات مرتبط بقصة التباعد الاجتماعي، ولكن هل عدم معرفة موعد محدد لعودة الحياة لطبيعتها وممارسة العادات والتقاليد الاجتماعية ستتولد على إثرها ظاهرة الضغوطات والأمراض النفسية؟

في ظل التقارير والمؤشرات العالمية والدراسات الطبية التي أشارت إلى أن التباعد الاجتماعي يقلل من نسب انتشار الفيروس وبما أن مفهوم التباعد الاجتماعي ليس بأمر هين على النفس البشرية ويحتاج إلى جلد نفسي من الدرجة الأولى خصوصاً أنه يتنافى مع الطبيعة البشرية وكون الإنسان كائناً اجتماعياً، ولكن علينا أن نتذكر أن الفريق الوطني الطبي بالبحرين لا يضع قراراً إلا وهو مدروس وأن العملية وصلت إلى الفاصل المصيري وما علينا اليوم إلا الالتزام بالتباعد الاجتماعي وباقي التعليمات والتعامل مع تلك القرارات بإيجابية تامة وتجنب آثارها السلبية حتى وإن تحتم الموضوع أن تعيش هذه الفترة بداخل بيتك وبحدود أسرتك الصغيرة!

إن (كوفيد19) أكبر من فيروس ولا نعلم نحن الباقين إلى متى سيكون هذا التباعد الاجتماعي والأخد بالاحترازات والتعليمات، وكيف لنا إنهاء وتيرة انتشار الوباء وتفادي إرهاق وانهيار نظم الرعاية الصحية في حال ارتفاع معدلات الإصابة إلى مستوى لا يمكن التعامل معه؟! وكيف لنا أن نتكيف مع التباعد الاجتماعي وتجنب الآثار النفسية إذا استدعى الأمر مزيداً من التباعد الاجتماعي؟!

كل يوم تغمرنا وسائل الإعلام بتوصيات من شأنها الحفاظ على صحتنا في ظل الانتشار السريع وضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي التي أرى أن الخروج ناجين من سمومها يتطلب استعداداً نفسياً صحيحاً، ولكن ماذا يعني أن تكون مستعدًّا نفسياً؟ وكيف يكون تخفيف آثار «كورونا» النفسية؟ هناك الكثير من الاستعدادت النفسية التي يجب أن نمارسها بشكل يومي أثناء التباعد الاجتماعي منها الابتعاد عن الأخبار السلبية، ووضع 30 دقيقة يومية لا أكثر لمعرفة أخبار تطور الفيروس التي قد تؤدي إلى زيادة الإحساس بالخوف والهلع، إلى جانب محاولة تعلم هوايات جديدة وإنجاز المهام المؤجلة وتقدير قيمة اللحظة مع الأسرة داخل البيت الواحد والانحياز إلى التفاؤل وقيمة الصحة والابتعاد عن جميع الأشخاص السلبيين وممارسة الرياضة وغيرها من الأمور التي تخرجك من حبس التباعد الاجتماعي.

حقاً، الأمر ليس بهين على الإطلاق فجائحة «كورونا» هي من الأمراض الفيروسية، ولكن تبعاتها على الصحة النفسية قوية، ومن المتوقع أن تستمر موجة كبيرة من اضطرابات الصحة النفسية حتى بعد انتهاء الجائحة والتي تحتاج بعد ذلك لمعالجتها خططاً مدروسة من قبل وزارة الصحة، ولكن المهم في الوقت الحالي كي تصحوا عليكم الالتزام التام بالتباعد الاجتماعي وذلك من أجل أن تعود الحياة كما كانت وأجمل.