منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية إتمام عملية انسحابها من أفغانستان، ظهرت آراء عديدة تحلل أسباب وتداعيات الانسحاب الأمريكي ومستقبل أفغانستان في ظل سيطرة طالبان على مجمل الأراضي الأفغانية، وتأثير هذا الانسحاب على الدول المجاورة والدول الإقليمية.

إلا أنه ليس غريباً على من يعرف الشعب الأفغاني وتاريخ أفغانستان المليء بالأحداث الدامية، أن محاولة احتلال الأراضي الأفغانية لا تكاد تخلو من اللعب بالنار؛ لما يتمتع به هذا البلد من جغرافيا جبلية وعرة وشعب لا يكاد يمل من القتال، كما خرجت بريطانيا منهزمة في عام 1919 والاتحاد السوفييتي في عام 1989، خرجت منها الولايات المتحدة الأمريكية في صورة أقرب للانهزام من الانسحاب، ومازالت حركة طالبان التي تأسست في منتصف التسعينيات من القرن الماضي موجودة ومسيطرة على معظم الأراضي الأفغانية، وهي تستعد لإعلان قيام دولة دينية على أراضيها على الرغم من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان على غرار هجمات 11 سبتمبر وإيواء طالبان لابن لادن على أراضيها.

إن التحديات التي يواجهها الشعب الأفغاني عديدة بدءاً ببسط الأمن والسلم والاستقرار السياسي ووقف الصراع الداخلي إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتشكيل حكومة تشمل جميع الفرقاء، إلا أن التركيبة السكانية تشكل عقبة في سبيل إنجاح ذلك، نظراً إلى وجود خلل بنيوي في هويته الوطنية الجامعة للإثنيات المختلفة والقوميات المتعددة، ما يهدد قيام أي حكومة لا تضم جميع الأطراف المتصارعة والقوميات المتعددة.

فمن الضروري على حركة طالبان إذا أرادت النجاح وتوحيد الصف الداخلي وقيام دولة تشمل كل الأطراف والفرق، أن تعمل على تشكيل حكومة تضمن كافة الفرق والأعراق وأن تضمن لهم حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مراعيةً في الوقت نفسه حقوق الإنسان والمرأة، وأن تضع السلاح جانباً والتعلم من أخطائها السابقة، إذا أرادت بناء أفغانستان حديثة قائمة على التطور الاقتصادي والاجتماعي.

أما على الصعيد الإقليمي فعلى طالبان طمأنة جيرانها وخاصة الدول ذات الامتدادات الإثنية والثقافات الفرعية السائدة في الدول المجاورة، وخاصة باكستان التي يمكن اعتبارها الدولة الأكثر علاقات إيجابية مع حركة طالبان التي ولدت أصلاً من رحم المعاهد الدينية الباكستانية، وهو أمر قد يدفع الهند لبعض التوتر، أما إيران فقد يكون التباين المذهبي فيها مدخلاً لتأجيج الخلاف مع طالبان، وقد عملت على مد الجسور لعلاقة إيجابية مع طالبان في نوع من الدبلوماسية الاستباقية، أما الصين فقد سعت في الفترات الأخيرة للعمل على تعميق علاقاتها مع أفغانستان من خلال وضعها على خريطة مشروعها الإستراتيجي (مبادرة الحزام والطريق) والمساهمة في استثمارات مهمة في بعض القطاعات الإنتاجية الأفغانية، وأما روسيا فمن جانب تبدو أكثر اقتناعاً بأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هو تطور جيد ويشكل استمراراً لخلخلة التمرس الأمريكي في المنطقة، ومن جانب آخر تتزايد المخاوف من التهديدات المتعلقة بالحدود والإرهاب والتهريب.