لم أخطط لكتابة هذا المقال أبداً، بل كنت قد شرعت في كتابة موضوع آخر عندما ألحت عليّ هذه الفكرة الطارئة ووجدتني لا شعورياً أكتبها.

دخلت الأربعون منذ أيام. فُتح الباب ودخلت! هكذا شعرت ببساطة! حيادية تامة وعدم استيعاب/ اهتمام بهذا العمر. وكان أكثر سؤال يلاحقني هو: ما هو شعورك وأنت في الأربعين؟ ظل هذا السؤال يتكرر عليّ من قبل الجميع، بالرغم من أن الأسئلة المعتادة طوال السنوات التاسعة والثلاثين الماضية هي ما هي أمنياتك/ أحلامك لهذا العام؟ أما الآن وقد وصلت لهذه العتبات المقدسة من العمر الأربعيني فإن أول أمر تغير- ووجب عليّ تقبله -هو طبيعة الأسئلة ونوعها. فلكل عمر مقام!

وللإجابة على هذا السؤال" ما شعورك؟" فقد تنوعت إجاباتي باختلاف السائل والمزاج اللحظي، فكائن هوائي مثلي لا يجيد الثبات على شعور واحد لفترة طويلة. في الحقيقة كنت أشعر أنه مجرد يوم آخر أعيشه لا يعنيني إن كان في الثلاثين أو الأربعين، فهو في النهاية هو رقم سيظل يتزايد مع الوقت حتى يقف عند رقم معين ذات يوم وتنتهي فيه الحياة، وينتهي معه العد والأسئلة والشعور نهائياً.



فالحقيقة التي لا فرار منها هي أن العمر أوراق متساقطة، وأنني خلال السنوات الماضية فرطّت في الكثير من الأوراق وتركتها تتساقط تحت أقدامي دون اكتراث أو مبالاة، وكأن عندي محصول كبير من الورق!

السابقون ممن هم في عمر الأربعون أخبروني بأنه عمر مميز وفيه يكتمل العقل والنضج، شعرت وكأنهم يسوقون لهذه المرحلة الجديدة من العمر. لذلك كان أول أمر فعلته بعد دخولي الأربعين هو أن شكرت الله على السنوات الماضية بكل ما حملته من لحظات فرح وحزن وحنين وخيبة أمل ورجاء وانتظار وصبر وحسرة ندم وقلق وتفاؤل. كل هذا "الكوكتيل المشاعري" الذي عشته فقد عشته لسبب ما، وهو أن أتعلم منه استعداداً لهذه المرحلة. إنه شعور غريب لكنه مليء بالحماسة، فأنت تكبر لتتعرف على نفسك بصورة أكثر وضوحاً، وتهذبها بصورة واعية. وقد قررت بما أني مكتملة العقل الآن ألا أفرط بنفسي أكثر، وألا أرضى بما هو أقل مما أستحق. إن العمر/ الأيام هي أغلى ما يملكه الإنسان -وبحكم جهله- فإنها أكثر ما يفرط فيه. لذا استثمر وقتك في إسعاد نفسك، فالحياة قصيرة والرحلة ستنتهي في أي لحظة فلا تعش أي يوم خال من الحب والسعادة التي تمنحها لنفسك وللآخرين من حولك.