ياسمينا صلاح

قديماً كانت الفتيات يخفن كثيراً من فكرة العنوسة فتسرع بالزواج لتفادي القيل والقال من قبل المجتمع، ولكن اليوم أصبحت الفتيات يتفادين فكرة الزواج للتغير والتطور الذي أصاب المجتمع في مختلف المجالات، ولم يعد الزواج الأمل الذي يبحثن عنه، ويوجد فئة تفكر فقط في الاستقلالية الذاتية وليس لديها رغبة حقيقة أو نفسية لفكرة الحياة الزوجية أو تحمل المسؤولية وتربية الأبناء.

وقالت " س. م" يتقدم لي كثير ولكني في كل مرة أرفض حتى المقابلة ليس خوفاً فقط، بل لأني لا أريد أن أرى أي تحكم من أي شخص أحب نفسي جداً وأحب الخصوصية ولدي وظيفتي الخاصة، ولا أرى أي مستقبل للمتزوجين من كثرة حالات الطلاق التي أسمع عنها ولا أريد أن أدير أي مسؤولية منزلية، لأني لست بخادمة ولا أحب التفكير في أمور الزواج؛ لأنها تكون ثقيلة على قلبي كثيراً.



وقالت "ب . ن" أخاف كثيراً من الرجال بسبب ما رأيت من مشاكل في منزلي، أخاف تكرار نفس الأزمة وأخاف أن أرى مستقبل أطفالي مثلي حتى إنني كلما أعجبت بأحد من المتقدمين، أقوم بالتفكير عن كيفية ما ستؤول إليه الأمور فأتراجع تماماً عن الفكرة وأقوم بالرفض، ليس لدي أي رغبة في خوض علاقة فاشلة قد تدمر حياتي في أي لحظة ولا أستطيع تقبل الأمر.

وتؤكد " ر. ل": أريد الزواج ولكن عندما أرى قلة تحمل المسؤولية والأهمال من قبل بعض الرجال ينتابني الخوف والقلق من أن أكون حالة فاشلة من حالات الزواج، فأطمح دائماً لزواج به مودة ورحمة، وأخاف كثيراً أن أختار الشخص غير المناسب لا أريد أن أكون ضحية من ضحايا المنفصلين أو المطلقين، وهذا ليس بعيب لكن لا أعتقد أن لدي القدرة النفسية على تحمل هذا الأمر، أعلم جيداً أهمية الزواج، ولكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في الوقوع في مصيدة الفشل الزوجي.

بدوره قال الشيخ علي مطر: "لا شك أنها قضية اجتماعية ولها تعلقات دينية وبحمد الله سبحانه وتعالى أنها لم تصل أن تكون ظاهرة منتشرة، ولكن يجب الحديث عنها وتوعية المجتمع للحد من بوادرها وتفاقمها، ومن الطبيعي جداً أن نضع فئات من الفتيات في المجتمع، هناك فتاة متحمسة للزواج وأخرى تميل إلى تأجيل الزواج لتحقيق أمور معينة وفئة ثالثة لا تريد ولا تفكر فيه وترفضه بكل قوة وهذه فئة أصبحت موجودة منذ السنوات الماضية".

وأوضح مطر أن هذا الرفض ناتج عن أسباب كثيرة جداً والتي منها أن بعض الأسر لا تهيئ الفتاة للحياة الزوجية وخاصة الأمهات، فالأم لها الدور الرئيسي والأساسي في التوعية والتوضيح والنصح للفتاة حتى تستطيع تحمل المسؤولية ومعرفة أهمية الحياة الزوحية ومتطلباتها.

وأضاف أن من الأسباب الرئيسية عدم رغبة الفتاة في تحمل المسؤولية وإلزامها بأي من المتطلبات الزوجية كاهتمامها بزوجها والأولاد والتربية وإدارة أمور البيت، وأيضاً خوف الفتاة بسبب أنها نشأت في أسرة مفككة والمشاكل والمشاجرات بين أبويها التي يمكن أن تكون أدت بهما إلى الانفصال والطلاق، والبعض يريد مواصلة الدراسة والاستمرار في التقدم العلمي وتظن أن الزواج قد يمنعها ويقوم بتعطيل حياتها بسبب مسؤوليات الزواج الكثيرة.

وقال مع وجود وسائل التواصل من السهل أن يصل إلى أسماعنا كثرة المشاكل الزوجية وكثرة حالات الطلاق أو المحيط بها من مشاكل من أصدقائها وأقربائها، فالبعض يبالغ في تضخيم مشاكله وقد تتأثر معظم الفتيات بهذه القصص خوفاً من التجربة والفشل، وتسمع بعض الفتيات عن الذين يهينون المرأة ويهملونها ويأتي في المقدمة ضعف الوازع الديني واستحضار أن الزواج عبادة جليلة يثاب عليها الإنسان.

وأضاف أن أحد الأسباب هذه الأيام التي زادت بكثرة اعتقاد الفتاة أنه عند حصولها على وظيفة وراتب فلا تتطلع إلى الزواج وأصبح لها حياتها الخاصة المستقلة والتي تكون سعيدة بها ولا تريد تحكماً من أحد، فقديماً كانت الفتاة تخاف أن يقال عنها عانس وهذ المفهوم تغير كلياً؛ فالبعض وضع في ذهنها كمال الزوج الذي لا عيوب فيه ووضعت مواصفات معينة وتطلعات قد لا تجدها فتقوم بالرفض والانتظار حتى تصل للعنوسة.

وأشار إلى أنه ينبغي أن نقوم بالتوعية بأهمية الحياة الزوجية وأنها أمر طبيعي وفطري وحاجة إنسانية ومجتمعية وهناك حاجة نفسية وعاطفية لا يسدها إلا الزواج؛ فالزواج به سكن نفسي وروحي وكثير من الأجر والثواب وحفظ النفس من الانحراف الأخلاقي، ومعرفة أهمية الأهداف العظيمة لإنشاء أسرة صالحة وتربية جيل مؤمن يخدم أسرته وأمته والمجتمع.

وأكد أن الزواج فيه حفظ للنوع البشري وهو اللبنة الأولى لتكوين المتجمعات فإذا نقصت هذه اللبنة فلا شك أنها سوف تؤثر على المجتمع سلباً، وقد تتفاهم مشاكل المجتمع مثل المجتمعات غير الدينية الذين أدى بهم تفكيرهم لانهيار جيمع القيم الأخلاقية في مجتمعهم، وليس هناك أسرة بلا مشاكل فعلى الفتاة أن تتفاءل خيراً وألا تتوقع الشر قبل حصوله، وهناك حالات لا تحصى للزواجات الناجحة المستقرة والسعيدة ليست فقط في الوظيفة أو الراتب أو الحرية الشخصية هناك حاجات لا يسدها إلا الزواج.

من جانبها أكدت الاختصاصية الاجتماعية هنوف شهاب وجود كثير من فتيات أصبح تفكيرها الرئيسي عن كيفية أن تكون سعيدة في حياتها فقط ولا تريد تحمل أي مسؤولية أخرى، ويصل بها الأمر إلى أنها لا تحتاج إلى رجل في حياتها فعلى قول بعضهن: "ماذا سوف يضيف لي الرجل في حياتي فلدي كل شيء وأنا سعيدة هكذا؟".

وقالت إن أحد أهم الأسباب هي حالات العنف في الطفولة وأذيتها من قبل أبويها فتشكلت هذه المشاعر، والخوف من الفشل ومن القصص التي يسمعونها والمشاكل الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي ومشاكل المحيطين بها فتقوم بالعزف لا إرادياً.

وأوضحت أن الدين يشرع الزواج وحث عليه وهذه من أقدس وأسمى العلاقات وأفضلها، لا يوجد جمل من العلاقة الزوجية التي بها حب واحترام ومودة، فالزواج مكمل لك ولذاتك ولحياتك ولا ينقص منها شيء، فاستقلالية المرأة وتكوينها لذاتها ووظيفتها لا يمنعها من تحقيق حياة زوجية سعيدة وأن تربي أبناءها تربية صالحة مع وجود الشريك المناسب، مؤكدة أن لنتفادى هذه المشكلة من التفاقم وعمل ترميم وتعديل لها في المجتمع دون أن تكبر وتؤثر على المرأة بشكل أوسع، أنصح بوجود مراكز لتدعم المرأة وتقدم الوعي والدعم النفسي لها قبل الزواج.

من جهتها قالت أستاذة علم الاجتماع بجامعة البحرين د. أحلام القاسمي لا أستطيع القول إن الفتاة بدأت العزوف عن الزواج ولكن بدأ التأخير في سن الزواج، ففي السابق كانت الفتاة تنهي تعليمها في 18 من عمرها ولا تخرج للعمل، ولكن مع تطور التعليم واستمر إلى منتصف العشرينيات وجزء منهم يريد إكمال الماجستير والدكتوراه، فاليوم أصبحت المرأة من المحركات الأساسية في المجتمع، فالجميع يسعى للتميز والتقدم في التعليم.

وأضافت أن أحد الأسباب الأخرى متطلبات الحياة وإمكانية إنشاء أسرة وتربية الأطفال، فالبعض لا يستطيعون الاستقلال بمفردهم ففي السابق كانت المتطلبات قليلة، ولكن مع وجود ثورة تكنولوجية بتكلفاتها العالية التي لا نستطيع الاستغناء عنها، ففي السابق يوجد كثير من الأشياء التي لم تكن ضرورية فأصبحت كذلك، واليوم التفكير في الزواج مسؤولية كبيرة.

وأوضحت أنه لا يوجد قاعدة ثابتة للزواج فالاختيار المناسب والوقت المناسب هو الحل لزواج ناجح، فليس من المهم أن يبحث الإنسان عن شريك مماثل له يشبهه في كل التفاصيل، ولكن من المهم أن يكون التشابه في المبادئ والقيم والأخلاق، فالزواج في مراحل مبكرة قد يكون سبباً لتراكم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعرقل الحياة الزوجية السليمة.

وقالت: "لكن اليوم اخترنا أن يكون كل شخص بدأ حياته بشكل صحيح وإذا تمت المقارنة بالعمر الافتراضي لا أراها تشكل مشكلة فمع التطور الصحي الموجود فحالات الإنجاب أصبحت تصل حتى سن 45 بنسبة 90% إذا فالعوامل التي كانت تأخرنا للزواج المبكر أصبحت تتلاشى".