أصبح من الضروري على القائمين على مناهج التعليم إدخال مقرر «المواطنة العالمية» في المناهج الدراسية منذ المرحلة الأساسية في التعليم، حيث أصبح من الأهمية غرس اتجاهات إيجابية عند المتعلمين نحو المواطنة العالمية وتربيتهم على قيم التسامح والتعايش السلمي مع الشعوب الأخرى ونبذ اتجاهات الكراهية والحقد نحوهم، وهذا أمر حتمي في عصر أصبحت فيه كل دول العالم وشعوبها تعيش كأنها في مجتمع واحد بفعل تطور وسائل المواصلات والاتصالات والتواصل الاجتماعي التي أوصلت العالم إلى ما تنبأ به علماء الاجتماع منذ القرن التاسع عشر مثل عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم من أن الإنسانية سوف تصل في تطورها الإنساني إلى ما وصلنا إليه اليوم، وهو ما يعرف بالمجتمع العالمي حيث سقطت الحواجز الزمانية والمكانية بين الدول وأصبحت هناك ثقافة واحدة تسود العالم، هي الثقافة العالمية التي تجمع بين شعوب العالم، وأصبح أي شعب لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الشعوب الأخرى إنما المصالح أصبحت مشتركة بين الدول، ولذا المواطنة العالمية ركيزة المجتمع العالمي وتعرف بأنها إيمان الفرد بضرورة التعايش السلمي مع الثقافات الأخرى حول العالم وإلمامه بالقضايا العالمية ومشاركته في إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات وشعوره بالانتماء إلى العالم أجمع، واحترامه مبادئ المساواة وحقوق الإنسان والتسامح والعدالة الاجتماعية واهتمامه بالبيئة العالمية وأهمية المحافظة عليها.

وتعرف أيضاً بأنها مشاركة ووعي وإدراك الأفراد لواجبات والتزامات معينة تحقق الاندماج والتشارك وفق المعايير والقوانين والقيم التي تعلي من شأن الفرد وتنهض به، والمحافظة على مصالح البيئة العالمية، ومحققاً أهداف المسؤولية العامة من خلال الأطر الدولية والالتزام بقضايا ومشكلات العالم.

وهدف المواطنة العالمية إعداد الأفراد للتفاعل مع عالم يسوده تعدد الثقافات، والتغير المتسارع، والمساهمة الفاعلة في قيادة العالم نحو التقدم والتطور. فهي تنظر إلى كوكب الأرض باعتباره وطناً للجميع يجب المحافظة عليه وصون موارده، وتنظر إلى جميع الناس باعتبارهم أسرة واحدة يحترم بعضها بعضاً، وتتعايش في إطار من التسامح والتفاهم واحترام الخصوصيات الثقافية لكل شعب، وخاصة أن المشكلات التي تهدد الوجود الإنساني والتي تحدث في أي مكان لا يقف تأثيرها على دولة محددة من البشر، بل تمتد إلى دول العالم، ومن هنا تعتبر عالمية المشكلات والقضايا ركيزة أساسية للاهتمام بالمواطنة العالمية وأصبح من الضروري تزويد المتعلمين بالمعرفة والمهارات والقيم والاتجاهات التي تساعدهم على التكيف مع هذه المتغيرات ومواجهة تحدياتها بحكم انتمائهم إلى المجتمع العالمي، ويأتي الاهتمام بالمواطنة العالمية كذلك من منطلق مساهمتها في تحقيق بناء شخصية متكاملة عند المتعلم قادرة على التفاعل الإيجابي مع الحاضر والمستقبل، كذلك تسهم بشكل فعال في النمو الروحي والأخلاقي والاجتماعي والثقافي لدى الفرد، فهي تجعله مواطناً عالمياً يسعى لفهم العالم، وقادراً على اتخاذ القرار المناسب، ويتحمل المسؤولية ولديه القدرة على المشاركة في تقديم الحلول للمشكلات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والبيئية والمناخية والصحية والحروب التي تهدد الوجود العالمي.

وهذا لا يمنع من أن يكون لكل مجتمع ثقافة خاصة به، ونظراً إلى أهمية دعم فكرة المواطنة العالمية في عالمنا المعاصر المليء بالنزاعات والمشكلات فإن النظام التربوي في أي بلد على مستوى العالم مطالب بالمساهمة في السلم الدولي من خلال تطوير الإحساس بالمواطنة العالمية؛ فالتربية من أجل المواطنة العالمية هي التي تعتمد على مبادئ التعاون ونبذ السلوك العدواني واحترام حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، والتسامح والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. والمناهج التعليمية هي الوسيلة الأهم لتنمية المواطنة العالمية لدى الطلبة من خلال تناول مشكلات يعاني منها العالم وتعزيز مشاركة الطلبة في حل تلك المشكلات، والمشاركة الإيجابية في خدمة المجتمعين المحلي والعالمي.

ونحن هنا في مملكة البحرين تعززت لدينا هذه الدعوة عندما أنشئ مركز الملك حمد للتعايش السلمي ومشاركة مملكة البحرين دول العالم في كل المناسبات والمؤتمرات التي تكرس هذه الدعوة والتي هي بدورها من صميم ثقافتنا العربية الإسلامية، وحتى تصبح قيمة التعايش السلمي من صميم ثقافتنا المحلية وجب على المدرسة القيام بدورها في هذا المجال، فهل يتم ذلك وتصبح لدينا مثل هذه الآليات التي توجد مثل هذه القيم الإنسانية؟