فلسفة الجمال هي كل تصور وتأمل وفكرة نظرية تقاسمها الفلاسفة حول قيمة الجمال، وما وصل إلينا من تلك التصورات والتأملات أوجز أن الجمال كل ما يقوم على التناسق والانسجام بين الفكرة والعمل، أي بين الصورة والمعنى، أو بصورة عامة بين الشكل والمضمون. فكلما تحقق الانسجام بين الداخل والخارج، أصبح الشيء جميلا. ومن خلال تلك التصورات تطورت تلك الفلسفة وتبنت نظريات متعددة ومختلفة جلها يتمحور حول الخبرة الجمالية التي تمنح روادها ناقدين او فلاسفة شعورا بالنشوة واللذة بين الخيال والذهن.

لنعد إلى صلب موضوع مقالنا ونتكلم بشكل أخص عن الجمال في العمارة، فالجمال في العمارة أولا وقبل كل شيء مبني تحقيق وظائف ومتطلبات اجتماعية ضمن إطار محدد، أو يمكن القول إن الجمال في العمارة ذو هدف، وهذا ما يجعل الفن المعماري فنا يجمع الكثير من المتع الممزوجة بالخيال منتجا لعمارة ذات وظيفة محددة تعكس هوية مجتمعها، وهذا ما يجعلها مميزة ولها فلسفتها الخاصة.

لا بد أن نعلم أن الجمال في العمارة قائم على الاختلاف بالضرورة. حاله حال الفنون الأخرى التي تقوم على الاختلاف من شخص إلى آخر، في إدراكه لها. كل حسب خلفياته النظرية والمعرفية والثقافية، لتنتج تلك الاختلافات تصميما جذابا وممتعا من الناحية الجمالية ينقل رسالة شعور بالانسجام والتوازن من خلال استخدام التناسب والتماثل والإيقاع.. إلخ ليصل في نهاية المطاف إلى قيمة الجمال؛فكل ناتج معماري جميل لا بد أن يجتاز تلك المعايير ليكون محط إعجاب ونقاش ليصنف أنه جميل. وبما أن العمارة في الأساس ذات هوية وظيفية محددة لنقل كالسكن مثلا، فإن الجمال مشروط بوظيفة المبنى، فالوظيفة لا بد أن تتحقق أولا حتى يتحقق جمالها فإذا لم تتحقق الوظيفة بداية، أصبحت النتيجة، تقنيا ومعماريا، غير مستوفية لشروط الجمال لكونها غير ملائمة وظيفيا، فلكل مبنى وظيفته التي يؤديها بطريقة منطقية وتلقائية بحيث ينسجم الشكل مع تفاصيله الإنشائية والمعمارية، فكلما زاد الانسجام بين هذه التفاصيل وفكرة المبنى تحقق مفهوم الجمال، وبالتالي يكون القصد هو أنه إذا نجح المبنى في تحقيق البرنامج الوظيفي الذي أقيم من أجله يكون نجح أيضا في تكوين شكله ومظهره الخارجي المقبول بطريقة تلقائية فكلما اتقنت الوظيفة تبعها الجمال، فأي مبنى لا تتوافر فيه الوظيفة الملائمة لقاطنيه وعامليه سيكون في نظرهم ليس جميلا، لأنه لا يتمتع بالحلول الملائمة والمرونة الكافية لمتطلباتهم، أي أن الوظيفة لا تعكس تلك الهيئة والشكل.

من وجهة نظري أرى أن البساطة في التكوين، وتناغم النسب، وصراحة التعبير والوظيفة التي تعكس حجم المنفعة من إنشاء المبنى في صورة حقيقية للغرض الذي أنشئ من أجله، ومن ثم تكامل وتناغم التكوينات،هي خلاصة ضرورية ليرتقي أي مبنى إلى الجمالية والوظيفية معا، فكما قلنا العلاقة بين جمال العمارة ووظيفتها علاقة طردية بقوة.

إن محاولة وعي وفهم الجمال في كل الفنون عموما والتصميم المعماري خصوصا لا يقصد منها تحديد معايير للجمال فيهما أو وضع قواعد للتطبيق في مضمار الإنتاج الفني وإنما التوصل إلى نظريات ربما فلسفية غايتها المعرفة التي توضح إشكالية العلاقة بين جمال الشكل ووظيفته.

وبما أن الشكل يجب أن يرتبط بالمعنى ليؤدي المبنى الوظيفة التي صمم من أجلها باندماجه بالتكوين الشكلي، فإن جمال الشكل فقط هو جزء من الحكم الجمالي، وليس كامل الحقيقة الجمالية إذ يجب أن تؤدي العمارة رسالة مضمونها المعنى المعماري الذي يلبي احتياجات المستخدمين الجسدية وحتى النفسية. في النهاية، يمكننا أن نستنتج أن فلسفة الجمال في العمارة تستند إلى تحقيق التوازن المثالي بين الشكل والوظيفة. عندما يتم تصميم المباني بشكل يستجيب لاحتياجات المستخدمين الجسدية والنفسية، ويعكس روح المجتمع وقيمه، فإنه يولد جمالًا يتجاوز المظهر الخارجي. يصبح الجمال في العمارة وسيلة لتحسين جودة الحياة، وتعزيز الاتصال المعماري بين الفرد والمحيط المبني، وخلق تجربة فريدة تلهم وتلبي الحاجات البشرية.