* «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين». ذكر نفسك أولاً قبل أن تذكر الآخرين.. تعاهد نفسك في كل حين.. ولا تفتر من مراجعة أحوال يومك وحياتك وانقضاء عمرك.. لا تفتر من مراجعة أقوالك وأفعالك.. فإنك تمر بالتجربة والتجارب حتى تتعلم المزيد وترتب أوراق حياتك من جديد، وتمكن نفسك لكي تحجز مقعدها في ميادين الأثر اليوم قبل الغد.. وفي الدنيا من أجل الآخرة والفردوس الأعلى.. ذكر نفسك بتلك الكلمات التي كنت تكتبها في كل حين، واربط مقاييس حياتك بمقاييس الآخرة، واحذر من أن تفتن نفسك بعوالم العيش التافهة وما أكثرها.. أجمل تذكير أن تذكر نفسك بنفسك.. فتكون دائماً في موضع المتفحص لأحواله، العالم بأموره الظاهرة والباطنة.. فإن الأعلم بخطرات نفسك والمطلع عليها ملك الملوك سبحانه وتعالى.. فإنك إن قربت من ربك وناجيته في السرائر، ودعوته بدعوات الحب والأمل واللطف وجبر الخواطر، فإن المولى الكريم لن يردك إن ناجيته بصدق وإخلاص.. وما أروع الدعاء.. فهو مفتاح من مفاتيح مغاليق الدروب.. ورب العزة والجلالة هو الأعلم بخفايا النفوس وبصفاء القلوب وصدق النوايا.. راجع نفسك أولاً وذكرها قبل الآخرين.. حتى تقوى أن تسير في الطرق بقوة الفرسان في سباق الحياة.

* ورد في كتاب «لأنك الله»: «إذا رأيت الأرض صفراء بلقعاً، ثم تكوم السحاب فوقها، ثم تصافعت الرعود ونزل المطر فاهتزت تلك الأرض واخضرت فلا تقل إن مثل هذا أمر طبيعي، وتدبر: «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير». مهما تباعدت أحلامك وصار بينك وبينها مفاوز شاسعة فاللطيف يأتي بها: «يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير». فلا تيأس وربك لطيف لما يشاء. تأمل حبة الخردل! انظر إلى حجمها بالنسبة لكفك، ثم بالنسبة لحجم غرفة مثلاً، ثم بيت، ثم قارن حجمها بحيك، ثم بمدينتك، ثم بدولتك، وبعد ذلك بقارتك، ثم بالأرض، ثم بالسماوات الفسيحة، ثم ثق: إن أرادها الله فسيأتي بها «إن الله لطيف خبير». فمن بلغ بلطفه أن يأتي بحبة الخردل من متاهات هذا الكون العظيم، ألا يمكن للطفه أن يقود قدراً إليك ـ كل المقدمات المنظورة لا توصله إليك ولا تدله عليك ـ بلى والله».

* أجمل ما في الحياة أن يتذكرك محبك ولو بعد حين.. فتصلك منه رسالة في وقت تحس أنك تحتاج قربه.. ويطلب منك أن تسانده بأثرك الجميل الذي اعتاده منك.. كم نحتاج إلى مثل هذه النفوس الطيبة المزهرة وهذه القلوب المحبة الصافية أن تكون بقربنا دائماً، وتتعاهد الخير معنا في أيام الحياة القليلة الباقية.. نحتاج أن نخرج من بوتقة الكلام النظري إلى ميدان العمل ونترجم أفكارنا إلى واقع عملي تشهد به المجتمعات والأجيال المتعاقبة.. بحب وسخاء وعطاء وأمل مشرق.

* مشكلتنا دائماً أننا لا نعرف قيمة الشخص إلا إذا افتقدناه من أمامنا.. أو من الحياة بشكل أبدي.. مشكلة حقيقية وأزمة حقيقية تمر علينا جميعاً في مراحل حياتنا العديدة.. لربما كان السبب الحقيقي جفاف الحياة واختلاف أنماطها وتحولها من علاقات مباشرة إلى علاقات داخل بوتقة العالم الافتراضي المفتوح.. فلا نسمع إلا همس الحروف وتسجيلات الصوت.. أضحت علاقاتنا مجرد «غرف واتساب» مملة.. فما إن نجلس إلا وأنامل الأيادي تلعب بلا إحساس.. فقد عرفت أن الهاتف أضحى ملصقاً له أثره.. فمن الصعوبة بمكان أن نتنازل عنه.. مؤلم أن نعلم أن أسلوب تعاملنا خاطئ.. ومع ذلك نستمر فيه.. ولكن ما العمل في ظل أوضاع تغيرت.. وأحوال تبدلت.. ولقاءات قلت.. وبات الجميع يسير في حياته الخاصة التي اختارها بمحض إرادته.. ومع كل ذلك تذكر مقولة «وذكر نفسك أولا» حتى تصحو من غفلتك وتحافظ على قيم «أجمل الأثر».

* يؤلم القلب أن البعض لا هم له إلا الاصطياد في الماء العكر.. فموقف عابر بينك وبينه.. تراه في الغد يصل الآفاق ويكتب على جدران الحياة.. ويواكبه إساءة للظن بلا التحري الأكيد عن الأسباب والمبررات لما وراء الموقف.. هناك نفوس راقية تمر عليها مواقف الحياة فلا تتكلم بها.. بل تجابه أصحابها وتقفل الموضوع إلى الأبد.. وفي كل الأحوال، المحافظة على الود الذي يجمعك مع الناس في مجتمعاتهم، يدفعك إلى أن تحافظ على سمعتهم ولا ترضى أن يذكروا بسوء في غيبتهم، لأنهم زملاء الحياة والأثر..

* مؤذية ومزعجة تلك الشخصيات السلبية التي ما إن تجلس معها إلا وتبدأ في رسم الصورة القاتمة في حياتك، فلا مكان في حياتها «لألوان الحب».. لذا فإنه يجدر بك أن تبتعد عنها قدر المستطاع ولا تعطيها من أوقاتك إلا النزر اليسير.. «تتحلطم على كل شيء».. تنشر الإشاعات.. تنقل الكلام.. تتفنن في الغيبة والنميمة على من تحب.. ترفع صوتها صاخبة من كل شيء في الحياة.. «مبعاجبها شيء».. ليس هناك أشياء حلوة في محيطها.. الكذب عندها حلال.. تعتقد أنها «الصح وصاحبة الخبرة» في محيط عملها.. الله يكون في عون من يصاحب هذه النفسيات!!

* قابلني في مخبز من مخابز المحرق رجل كبير في السن لا أعرفه.. كان يتجاذب أطراف الحديث مع أحد الأصدقاء ثم التفت إلي بعد أن عرف أن صاحبه يعرفني.. وقال بلا مقدمات: «يابوك.. الناس لو تعطيهم عيونك ما بيرضون عنك.. كل واحد ينظر حق الأمور بنظرة غير ويعتقد إن هو الصح وإنت الغلط.. أهم شي ترضي ربك وضميرك وتشتغل حق آخرتك». بعدها ظلت كلماته ترن بمسمعي.. ربما في واقعها عادية جداً.. ولكنها أثرت الكثير في نفسي.. تحتاج في واقع أيام حياتك من يذكرك ويسدي إليك نصائحه الثمينة وبخاصة من يكبرك سنا.. لأنه قضى حياته في تجارب عديدة.. وحان وقت جني الثمار.

* ومضة أمل:

ثلاثة شهور فقط تفصلنا عن «سباق رمضان السريع».. اللهم بلغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين.