لطالما سمعنا خطباً رنانة عن التعايش السلمي، والتقارب الديني والمذهبي بين الطوائف المختلفة كونها أمراً لا بد منه لخلق مجتمعات متماسكة ومزدهرة. إلا أن البرامج العملية التي تسهم في إيجاد هذه الأرضية الخصبة تعد قليلة ومحدودة، وفي الغالب يراد منها التسويق الإعلامي الذي لا يحقق الهدف الأسمى منها. حيث إن الاختلاف في الدين والمذاهب والأعراق أمر جُبلت عليه البشرية، وهو ما قد يستثمر من قبل بعض المؤزمين لخلق صراعات سياسية تذكي نار الفرقة والاقتتال بين الناس، وإضافة تحديات معقدة على عالمنا الذي يشهد تحديات كبرى في العديد من المجالات التي تهدد مستقبل وجودنا على هذه الأرض، والتي من ضمنها تهديدات التغير المناخي.
تشير بعض التقارير إلى أنه إذا استمرت معدلات التلوث على نفس المعدل الحالي، فإن عدد الوفيات سيتضاعف بمعدل خمس مرات بحلول عام 2050م. وسوف يسبب ارتفاع الحرارة زيادة حالات الجفاف حول العالم، وارتفاع مستويات الجوع بشكل كبير. فمن المتوقع أن يتأثر نحو 520 مليون إنسان من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة. كل هذه التبعات البيئية الخطيرة دفعت منظمة الصحة العالمية إلى وصف التغير المناخي بأنه أكبر تهديد صحي يواجه البشرية. ذلك كون التحديات البيئية لا تنحصر في مكان أو زمان معينين، ما يجعلها مشكلة تمس جميع فئات المجتمع بكل أطيافه.
ولهذا فقد أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2017م، مبادرة بالشراكة مع المؤسسات الدينية تحت عنوان " الإيمان من أجل الأرض". وذلك بهدف تشجيع دور العبادة للمساهمة في حماية البيئة، وتحفيز الاستثمار الأخضر في أصول المنظمات الدينية، بالإضافة إلى تزويد القادة الدينيين بالمواد العلمية اللازمة لتمكينهم من التواصل الفعال مع قطاعات المجتمع المختلفة بشأن التحديات البيئية. حيث إن مشاركة المؤسسات الدينية في مثل هذه المبادرات تسهل إدماج جميع أطياف المجتمع ليلعبوا دوراً في مواجهة التغير المناخي، وبالأخص أن هذا التغير لا يفرق بين البشر على أساس الدين أو المذهب أو العرق، فكلنا شركاء وعلينا مسؤولية ليس فقط للأجيال الحالية، بل أيضاً لأجيالنا القادمة.
ومن هنا يجب التأكيد على أهمية المبادرة التي أطلقها مؤخراً كل من مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي ومركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات" تحت عنوان "دور العبادة الخضراء"، التي تنتهج أسس البحث العلمي الرصين لاستكشاف الفرص المتاحة لتحسين الأداء البيئي للمباني الدينية عن طريق اعتماد تقنياتٍ صديقةٍ للبيئة، وأنظمةٍ موفرةٍ للطاقة. ولعل أحد أفضل السياسات التي تنوي هذه المبادرة انتهاجها هي نشر نتائج البحوث المتعلقة بالمشاريع المخطط لها، ونشر ثقافة التنمية المستدامة بين المجتمعات الدينية من أجل تعزيز الشعور بالمسؤولية المشتركة والعمل الجماعي بين أفراد المجتمع في مواجهة التحديات البيئية. وكما تشير العديد من الأبحاث الحديثة في مجال السلوك البيئي الإيجابي، فإن الشراكة المجتمعية تعد من الاستراتيجيات الفعالة لدفع عجلة السلوك البيئي الإيجابي.
إن هذه المبادرة تدعم فتح مجال استثماري وبحثي جديد، يتم من خلالها دراسة تطوير مشاريع الطاقة الشمسية بشكل مشترك، وهو الأمر الذي سوف يضمن أن يضع الجميع يده في أيدي بعض لأجل أن يحصلوا على أسعار أكثر تنافسية. ورغم أن التعايش بين الأديان والمذاهب لا يقاس أبداً بالمكاسب المادية، فإنه يظهر أن التعاون في المساعي النبيلة يجعلنا دائماً في خير وازدهار. لذا فإننا ندعو جميع دور العبادة في مملكتنا الغالية للمشاركة الفعالة، فهذه المبادرة للجميع ولأجل الجميع.
* مدير برنامج الطاقة والبيئة - مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
[email protected]