نريد أن نطور، نريد أن نغير، نريد أن نتقدم، نريد أن نحقق إنجازات، نريد أن نصل لمرحلة الرضا في كل شيء، معيشياً، اقتصادياً، اجتماعياً، نريد ونريد ونريد.

القضية ليست فيما نريده، القضية الأهم، بل السؤال المفصلي والأكثر أهمية «لماذا تريد أن تحقق كل ذلك»؟!

الأمنيات، أو المخططات، أو الاستراتيجيات، كلها مبنية على أساس الرغبة في تحقيق شيء، تحقيقه مرهون ومرتبط بعملية «تغيير» يفترض بأنها تجاه الأفضل، ووجود كل هذه الأمور أساسه أمر واحد لا غيره، وهو «وجود مشكلة»، في غالب أشكالها معنية بوجود خطأ ما، أو فشل ما، أو تراجع.

كثيراً ما نسمع في التصريحات الرسمية، أو في وسائل الإعلان عن أمور معنية بالكشف عن خطط جديدة، أو وضع استراتيجيات جديدة، أو اتخاذ إجراءات معينة، وكلها أمور تكشف بأن هناك «وضعاً خاطئاً» ينبغي العمل على معالجته أو تصحيح المسارات المتعلقة به.

المشكلة تكمن هنا حينما يطغى الحديث عن المعالجات وعن الأمنيات وعن التطلعات، على العملية الأهم والأكثر حساسية في إحداث كل هذا التغيير، وهنا أعني «المشكلة» بحد ذاتها، الاعتراف والإقرار بوجودها، بيان أسباب حصولها، تحديد العوامل التي قادت لهذا الوضع، وإجابة السؤال الأكثر أهمية: لماذا فشلنا، وفي ماذا أخطأنا؟!

حينما ترصد ما ينشر وما يصدر وما يتم التصريح به، ستجد أن الكلام يبتعد كثيراً عن «أصل الحكاية»، وتسليط الضوء لا يكون على «الأساس»، وكأننا نتحدث عن معالجات وحلول لأمور ليست موجودة أصلاً، بالتالي يفترض أن توصف بأنها عمليات «ابتكارية» لأشياء جديدة، لكن هذا ليس الواقع.

فن التعامل مع الأزمات، وفن حل المشكلات، مبني في أساسه، وفي خطوته الأولى على عملية «الاعتراف بوجود المشكلة»، بالتالي هل نحن اليوم نعترف بوجود المشكلات؟!

لربما هناك تسليط ضوء على المشكلات، لربما هناك تحديد لها من مسؤولين لهم سلطة أعلى من المسؤولين المعنيين بالمشكلات الحاصلة في القطاعات، بالتالي النوع الثاني لابد وأن يتفاعل مع النوع الأول وتوجيهاته، بحيث يضع الحلول والمعالجات. لكن المفارقة تكون هنا بأن الخطاب الصادر من النوع الثاني لا تجد فيه اعترافاً صريحاً بالفشل، أو إقراراً بوقوع مشكلة، بالتالي لا يوجد هناك أدنى تحمل للمسؤولية، ولا حتى شجاعة في الاعتراف بالإخفاق والفشل، وعليه تكون المعالجات ليس ذات وقع مجد، ولن تجد فيها فعالية وتأثير، لأن القائمين عليها لم يعترفوا بوقوع المشكلة من الأساس.

المكابرة في الفشل، تجميل الواقع الخاطئ لتحويله لمشهد إيجابي، الإيحاء للمجتمع بأن الأمور تحت السيطرة، بينما هي منفلتة ومتجهة في اتجاه مخيف ومقلق، استخدام الخطاب الإعلامي بشكل استغلالي يحرفه عن سياقه الصحيح ومساره الطبيعي في كشف الحقائق واعتماد الشفافية، كلها أمور تجعلنا نسمع عن حلول، وعن معالجات، لكننا لا نرى النتائج والتغيير تتحقق بعد ذلك، لأن المشكلة في الأساس لم يتم الاعتراف بها.

حتى تحل أي مشكلة، لابد وأن تعترف بوقوعها، لابد أن تحدد أسبابها، ولابد أن تجلد ذاتك أحياناً، وتلوم نفسك وتحاسبها، لأنك إن لم تفعل، فهذا يعني أنه لا توجد مشكلة من الأساس، بالتالي لماذا تقوم بإجراءات وتضع خططاً للتطوير والتصحيح؟!

المجتمعات التي نهضت بقوة، وأبدلت عثراتها بتفوق وإنجازات مهيبة، هي مجتمعات اعترفت بمشاكلها، حددت أسبابها، وقضت عليها، ووضع حلولاً ذكية وفعالية، بالتالي لم تقع في نفس المشكلات والتراجعات، بل جعلت هذه المشاكل جزءاً من التاريخ الماضي، والذي لم تدفنه أو تنسيه، بل حولته لمادة علمية للأجيال القادمة، تعلمهم من خلال هذه المادة، كيف أن الفشل قد يكون سبباً من أسباب النجاح، شريطة أن تعترف بالمشكلة وتعرف لماذا وقعت فيها، وتعرف كيف تضع معالجات تغير الواقع إلى الأفضل.

أخيراً، المعادلة الثابتة تقول، بأن من لا يعترف بالمشكلة، أبداً لن يحصل على حلول قادرة على إنهائها.