«فنّ التدريس ما هو إلا فنّ إيقاظ الفضول الطبيعي للعقل بغرض إشباع هذا الفضول فيما بعد»، «أناتول فرانس 1844-1924».

يُعرّف الفضول أو حب الاستطلاع على أنّه الحاجة إلى الفهم والمعرفة والرغبة في الاكتشاف ومعرفة حقائق الأمور. فهو في نفس الوقت حالة ذهنية ودافع داخلي وغريزة وسلوك وهو موجود عند الأطفال في بداية نشأتهم وعند الإنسان عموماً والحيوان.

الفضول المعرفي

والفضول السلبي

الفضول أو حبّ الاستطلاع نوعان: فضول معرفي وعلمي، وهو ممدوح كما سنرى وفضول شخصي تلصّصي عقيم لا فائدة منه. في هذا المقال، لن أتكلّم عن نوع الفضول الثاني فهو سلبي ويقود صاحبه ليصبح متطفّلاً بغيضاً، ولقد تكلّم في ذمّه الكثير وأكتفي بما قاله فيه أحمد شوقي «ما أولع النّاس بالناس، يشتغل أحدهم بشؤون أخيه، وفي أيسر شأنه ما يلهيه».

الفضول المعرفي هو المعلّم الأوّل للبشر، فالإنسان فضولي بطبعه، تدلّ تصرّفاته من حين ولادته على طاقة ورغبة في اكتشاف العالم من حوله باستخدام حواسّه الخمس. بعد أن يتعلّم النطق بكلماته الأولى يشرع مباشرة في طرح مختلف الأسئلة بطريقة طبيعية. فضوله يزيد يوماً بعد يوم وهذا هو الطريق المثالي للتعلّم، فعلينا جميعاً أن نتعلّم الفضول وحبّ المعرفة وكيفية طلبها من الرضّع والأطفال الصغار، فطريقهم في التعلّم هو المسلك الصحيح والطبيعي، ولك أن تتأمّل مدى سرعة تعلّم هؤلاء الصغار للّغة في فترة وجيزة جدّاً. فعلى طالب العلم والمعرفة أن يكون في اتصال مستمرّ بالطفل الكامن في أعماقه ليتعلّم منه، فيسأل كما كان يسأل، ولا يتحرّج من الخطأ والفشل، ويعيد القيام والمحاولة كلّما تعثّر وهكذا...

الفضول المعرفي هو المحرّك القوي للمعرفة والاكتشاف، فكل المخترعات البشرية أساسها الفضول. إنّك لن تجد عالماً مخترعاً مستكشفاً ليس لديه فضول معرفي قويّ، فقد قال اينشتاين مكتشف نظريات النسبة «أنا لست موهوباً، أنا فضولي»، وقال د.أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء، إنّ «الفضول هو الذي قاده إلى اكتشاف علم كيمياء الفيمتو والفضول هو أيضاً الذي قاده لاختراع الميكروسكوب رباعي الأبعاد الذي جعل بإمكاننا مشاهدة المادة بجميع أبعادها الزمكانية الأربعة».

إنّ الفضول يثير العالِم الباحث فيجتهدُ بحثاً وتجارب فيخرج لنا باختراع يفيد البشرية. وهذا الفضول هو الذي تتقدّم به الدول. ولك أن تتأمّل كم تنفق الدّول المتقدّمة على البحوث والمختبرات لتُشجّع إعمال الفضول لدى العلماء فيكتشفون الجديد المفيد لدولهم والعالم. وما تسمية ناسا للمركبة الفضائية المتجوّلة على المريخ بـ«الفضولية» «بالإنجليزية Curiosity»، لدليل كبير على اهتمامهم بالفضول العلمي. للعلم فإنّ هاته المركبة قطعت مسافة 450 مليون كيلومتر انطلاقاً من الأرض للوصول إلى المريخ واستغرقت الرحلة نحو 8 أشهر.

مكانة الفضول المعرفي

في التعلّم والتعليم

بما أنّ الفضول المعرفي هو حبّ اكتشاف وتعلّم أشياء جديدة، فهو بامتياز محرّك عملية التعلّم والتعليم.

فهو الذي يُنشأ لذّة التعلّم، فهذه الأخيرة تظهر عندما نتعلّم أشياء جديدة. كما أنّ لذّة التعلّم والفهم هي شرط لانطلاق الدّافع الداخلي للتعلّم.

إذا تمكّن المعلّم من إثارة الفضول عند طلابه وتوفير الجوّ المُلائم لنموّه ثمّ إشباعه يكون قد أدّى جزءاً كبيراً جدّاً من مهمّته في التدريس. وهذا يؤدّي بالطالب للبحث والسؤال ومن ثَمّ شيئاً فشيئاً إلى الاستقلالية والاعتماد على النفس.

كيفية استثارة وتنمية

الفضول المعرفي؟

فقدان الفضول العلمي يَنتج عنه الزهد في التعلّم وحتى كرهه وتركه، ويبدأ الطالب في سرد الحجج الواهية التي اعتدنا سماعها، مثل محتوى المقرّر طويل أو المادّة صعبة أو ما فائدة هذه المادّة أو ليس من ورائها فائدة وإلخ..، من الأفكار السلبية التي ينبغي على الجميع مقاومتها ودحضها، وإلاّ فإنها قاتلة للتعليم. وعلاج ذلك، وكذا علاج الملل عند الطلاب، هو بدون شكّ إثارة الفضول المعرفي. وهذا الأخير يُمكّن الطلاب من تنمية تفكيرهم النّقدي والتعلّم بالسّؤال بدل التلقين وبرمجة عقول الطلاب بدون فهم.

البدء يكون من البيت ومنذ الصّغر. فعلى الوالدين تشجيع الأطفال على التساؤل وإجابة كل أسئلتهم باهتمام. وكذلك ينبغي توفير ألعاب التركيب والتفكيك لتنمية مهاراتهم الذهنية والحسّية.

وللحديث بقية.

* قسم الرياضيات - جامعة البحرين